- يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
- رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
- نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577
"إعلان القدس" .. عربياً وإسلامياً
لم يخرج موقف الرئيس الأميركي، جوزيف بايدن، الداعم للكيان الإسرائيلي وتصريحاته هناك، ولا حتى إعلان القدس بينهما، عن المساحة التقليدية المعروفة من الغزل العاطفي الشديد والتأكيد على التحالف الاستراتيجي الوثيق بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال.
بالرغم من ذلك، هنالك دلالات خطيرة ترتبط باللحظة التاريخية والسياقات السياسية للزيارة؛ ولعلّ الدلالة الأولى التأكيد على الخطاب الرسمي الإسرائيلي باعتبار إسرائيل 'دولة يهودية'، كما جاء في تصريحاته نصّاً، وفي الالتزام الأميركي المطلق بعدم امتلاك إيران سلاحاً نووياً، وبدعم عملية التطبيع العربية - الإسرائيلية، التي تعني، بالضرورة، تجاهل القضية الفلسطينية وتهميشها، بعيداً عن المعزوفة الفاشلة في التأكيد على حل الدولتين.
يمثّل 'إعلان القدس' تطوراً خطيراً في المنطقة على هذا الصعيد، فهو يصنّف، ضمنياً، إيران في خانة التهديد الرئيس في المنطقة، ليس لما تقوم به في العراق وسورية، أي ما يتعلق بملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرّيات العامة، فهذه لم تظهر بتاتاً في الخطاب الأميركي، لأنّ القضية، كما هي واضحةً تماماً، في إعلان القدس هي، أولاً وأخيراً، 'أمن إسرائيل'!
بعيداً عن تصريحات النظام الرسمي العربي، غداة قمّة السعودية مع الرئيس بايدين (التي حضرها زعماء الخليج والعراق والأردن ومصر)، فإنّ النتيجة هي العلامة الكاملة لإسرائيل، وما إعلان القدس إلّا صبّ الزيت على نار توتر إقليمي كبير في المنطقة، وتأطير الصراع في سياق تحالفاتٍ عربية - إسرائيلية (مباشرة وغير مباشرة) في المواجهة مع إيران.
مرّة أخرى، وليس دفاعاً عن إيران وسياساتها الإقليمية التي ساهمت في تعزيز المخاوف العربية وتأجيج حالة شعبية معادية لطهران، إلّا أنّ الاصطفاف على هذا النحو يعمّق الأزمات العربية على صعيد الشرعية السياسية للنظام الرسمي العربي، وعلى صعيد التحالفات الإقليمية، فإذا كانت إيران تشكل تهديداً لدولٍ عديدة، وساهمت بتأزيم الأوضاع الإقليمية والمحلية في دول عربية عديدة، فإنّ الكيان الإسرائيلي يمثّل خطراً أكبر وتهديداً كبيراً للأمن القومي العربي (أصبح هذا المصطلح مثيراً للسخرية الشعبية).
لا يجوز أن يمرّ إعلان القدس من دون ردّ عربي - إسلامي واضح، وترسيم مختلفٍ لما يحدث إقليمياً يغاير المنظور الأميركي المنحاز بصورة مطلقة للكيان الإسرائيلي، فالمطلوب اليوم تدشين إعلان القدس بصيغته العربية والإسلامية، في مواجهة هذا الموقف الأميركي، وردّاً على صمت النظام الرسمي العربي.
إعلان القدس .. عربياً وإسلامياً، الذي نطمح إلى أن تتبنّاه النخب السياسية والمثقفة في المجتمعات العربية والمسلمة من الضروري أن يؤكد (أولاً) على رفض أن تسمّى تعهدات الرئيس الأميركي باسم القدس، فالقدس عاصمة دولة فلسطين، وهي قضية رمزية لكل العرب والمسلمين، فالدلالات الرمزية التي أخذها الإعلان، بحدّ ذاتها، تستفز مئات الملايين من العرب والمسلمين.
ومن الضرروي، كذلك، التأكيد على أنّ إسرائيل ليست جزءاً من المنطقة ولن تكون، طالما أنّها تحتل الأراضي الفلسطينية، وتعمل على تهويد القدس، وأنّ مثل هذا الإعلان المنحاز سيؤدي إلى تأجيج الراديكالية في المنطقتين، العربية والإسلامية، وأنّ وضع منظماتٍ وطنيةٍ فلسطينيةٍ تدافع عن الحقوق الفلسطينية ضمن دائرة الحركات الإرهابية أمر مرفوض وغير مقبول، ولا ينسجم إلّا مع مصالح الكيان الإسرائيلي.
على المثقفين والسياسيين العرب والمسلمين أن يطالبوا في 'إعلان القدس .. عربياً وإسلامياً' بأن تعيد الولايات المتحدة النظرة في سياساتها في المنطقة، لأنّها هي من دفعت ذلك في أحداث '11 سبتمبر' في 2001، عندما تجاهلت الحقوق السياسية والإنسانية والتاريخية، والتفت حول صفقة مع الدكتاتوريات والسلطويات العربية ومقايضة ذلك بالنفط وأمن إسرائيل، فما قامت به هو تجذير للروح الراديكالية الغاضبة التي استثمرتها التنظيمات المتشدّدة، مثل القاعدة وداعش لاحقاً.
تعهدات بايدن وتصريحاته بمثابة نكوصٍ مرعب نحو السياسات الأميركية التي ولّدت الأزمات في المنطقة العربية، وأحدثت التوترات. وإذا كان الهدف منها توجيه رسالة إلى إيران، فإنّها تخدم الخطاب الشعبوي الإيراني، وتخدم التنظيمات المتشدّدة التي تستثمر مثل هذه التصريحات والظروف، لتجنيد الشباب تحت بند التحالف التاريخي الأميركي - الإسرائيلي - السلطوي العربي.
العربي الجديد