- يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
- رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
- نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577
إنها جريمة وليست خطة إعمار
في المواجهة المحتدمة مع قضية تهجير الفلسطينيين من غزة، انساق جميعنا؛ ساسة وإعلاميون مع التعريف الأميركي لهذا المفهوم، ووقعنا في فخ السردية الترامبية، في وصف التهجير بالخطة أو المقترح.
وخضنا في سجال طويل حولها واجتهدنا في دحضها كخطة، لا بل قلنا إن مواجهة خطة التهجير ينبغي أن يكون بطرح خطة بديلة لها.
وفي معرض تبرير التهجير بوصفه خطة، جادل المؤيدون لها على قلتهم في دوائر القرار الأميركي والإسرائيلي، أن لا خطة معروضة اليوم على الطاولة غير خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين، وهذا الأمر حسب قولهم يمنحها شرعية وقوة منطق وحضورا.
هذا السياق مضلل بقدر كبير، لا ينبغي التعامل مع ما طرحه ترمب كخطة، بل بتسميتها كما هي في التعريف القانوني والأخلاقي، وفي القانون الدولي واتفاقية جنيف، جريمة حرب، لا يجوز التعامل معها إطلاقا.
التهجير جريمة وليس خطة إعمار، والتهجير عمل يتنافى كليا مع التعمير، فلا إعمار بدون السكان أصحاب الأرض.
الأكيد أن هناك حاجة لخطة إعمار لقطاع غزة، ويمكن في هذا الصدد أن يكون على الطاولة عديد الخطط والمقترحات، التي تتباين في الشكل والأسلوب، والمراحل الزمنية اللازمة للتنفيذ والكلف المادية، وما شابه من عناصر فنية ولوجستية، لكن ليس من بينها ما ينص على نقل السكان أو إبعادهم عن ديارهم.
خطة التهجير بوصفها جريمة في القانون الدولي لا يمكن أن يكون لها مكان على الطاولة إلى جانب خطط الإعمار المقترحة.
المؤسف أننا جميعا في وسائل الإعلام أقمنا علاقة تطبيع مع مفهوم التهجير بوصفه خطة قابلة للنقاش، وتحتمل القبول مثل الرفض تماما، وهذا مسار خطير، يجعل التهجير مفهوما قابلا للتطبيق، ومع مرور الوقت يصبح أمرا مستساغا، لا بل مقبولا في غياب بدائل 'خلاقة' كما أدعى أصحابه.
ما حصل أن الخطاب السياسي والإعلامي العربي التقط التعبير الإنجليزي 'OPTION'، الذي استخدم في وصف التهجير وترجمه إلى العربية 'خيار' فأصبح التهجير خيارا كالسلام مثلا أو المفاوضات.
وفي كل يوم كان يضيف عليه ترامب تفصيلا جديدا من نوع شراء القطاع أو الاستيلاء عليه أو إدارة غزة، كان الخيار ينضج أكثر في التعليقات السياسية والإعلامية ليتحول في نهاية المطاف إلى خطة وتعبير دارج ومعتمد في وصف فكرة هي في الواقع جريمة.
وليس هذا فقط، بل الخطة الوحيدة على الطاولة، والخطة الخلاقة التي اعتبرها نتنياهو تفكيرا خارج الصندوق.
صحيح أن الأغلبية الساحقة في العالم العربي وفي المجتمع الدولي عموما رفضتها، لكن الجميع تعامل معها كخطة، أي أنها قابلة للنقاش والتطبيق، إذا لم يتوفر بديل مقنع.
ليس مهما أن يكون هناك بديل حتى نرفض الجريمة، يكفي أنها اعتداء على القانون الدولي والحق الإنساني لرفضها بمجرد طرحها، والرفض لا ينحصر بالدول التي يمكن أن تتضرر من وقوع هذه الجريمة، إنما من كل دول العالم التي عليها واجب الدفاع عن القانون الدولي والقيم الإنسانية والأخلاقية، لا يمكن للمرء أن يقبل وقوع جريمة أمام ناظريه ويقف متفرجا، ينبغي أن يتدخل لمنعها.
يمكن إعادة النظر سريعا في نهج وسائل الإعلام بالتغطية، والقول صراحة أنه ولغاية اليوم لا يوجد خطة لإعادة إعمار غزة سوى انتظار الخطة المصرية المدعومة عربيا، وربما خطط أخرى من جهات أممية أو فلسطينية، أما ما طرحته الإدارة الأميركية فهو شروع بارتكاب جريمة علينا التدخل لمنع وقوعها.
الغد
