الشريط الاخباري
- يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
- رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
- نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577
مصابون بالايدز: مرضنا من مجتمعنا أكثر من الفيروس الذي يعيش في أجسامنا
لم تقتصر مطالب مرضى متعايشين مع فيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز) أردنيين وعربا، بإزالة وصمة إدانة مجتمعية التصقت بهم، بل دعوا الى نيل حقوقهم التي كفلتها الدساتير والتشريعات الإقليمية والدولية، بالعمل والتعليم والإنجاب والعلاج المجاني.
ورغم أن أغلبهم كانوا ضحايا للفيروس القاتل، الذي تغلغل في أجسامهم عن طريق دم ملوث، او حليب رضعه أحدهم وهو طفل من ثدي أمه، إلا أن بعضهم ابتلى به عبر إقامة علاقة غير شرعية، او جراء إبر مخدرات ملوثة، بحسب أقوال بعضهم.
ومع ذلك، فإن مرضى "الإيدز"، لا يشكلون خطرا على الآخرين، وفق أقوالهم، كونهم حريصين على مجتمعهم.
وقالوا في مقابلات لـ"الغد"، عقب ورشة عمل اختتمت أعمالها أول من أمس حول الرعاية التلطيفية لمرضى "الإيدز" والسرطان والأمراض المزمنة، بتنظيم من مركز الحسين للسرطان ومنظمة الصحة العالمية "لا نريد رعاية تلطيفية كريمة مليئة بالدعم النفسي فقط، بل نريد حقوقنا في الحياة وإزالة وصمة مجتمعية التصقت بنا".
ومنذ عدة اعوام، وحتى الآن ما يزال مرضى "الإيدز" في المجتمعات العربية يواجهون تحديات اجتماعية واقتصادية كبيرة، رغم ان حكومات تسعى عبر برامجها الوطنية لمكافحة "الإيدز" و"السيدا" وتوفير بعض احتياجاتهم في العلاج والعمل وتعينهم ماليا، بما يسد رمق أسرهم، لكن ذلك كله يبقى "متواضعا"، حسبما قال بعضهم.
كما حمّل المرضى، الإعلام، مسؤولية كبيرة في عزوف المصابين بالمرض عن الاستفسار وتلقي المشورة حول مرضهم، بسبب سلبية الصورة التي قدمتهم فيها مسلسلات درامية، أشارت الى "حجر المريض في غرف منعزلة، وهو ينتظر شبح الموت، وقدمت طريقة موته من المرض، بشكل مشوه للحقيقة ومنفر".
وأعربوا عن أملهم في تبنى جمعيات وهيئات محلية، حقوق المرضى بفاعلية والدفاع عن حقوقهم والحيلولة دون وقوع إصابات جديدة، واستقطاب قادة الرأي لتغيير نظرة المجتمع حيالهم، ورفع مستوى الوعي الصحي بالمرض ومخاطره النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
الشاب الأردني خليل، احد المتعايشين مع المرض الذي انتقل اليه عن طريق دم ملوث قبل عقد من احد المستشفيات الحكومية، يحلم بمعالجة أسنانه، لكن أطباء الاسنان يرفضون علاجه، لمعرفتهم بإصابته بـ"الإيدز"، رغم أنهم في عياداتهم يعقمون الأجهزة، ولا سيما وأن فيروس "الإيدز" ضعيف، يموت خارج أجسامنا بعد 7 ثوان.
واضاف خليل المصاب أيضا بمرض الهيموفيليا (خلل وراثي في المادة التي تمنع الدم من التخثر) إنني "أنتظر بفارغ الصبر أن أحقق لزوجتي غير المصابة رغبتها بإنجاب طفل معافى، نستند إليه في شيخوختنا، وسط دعم اسري كبير يحيطنا من قبل والدتي الطاعنة في السن واخواني المعيلين لي".
وحول امكانية انجاب اطفال بلا "إيدز" اشار الخبير المصري في شؤون المتعايشين مع المرض الدكتور عاطف باخوم الى "الغد" أن هناك طرقا علاجية حديثة، تمكن مرضى "الإيدز" من الإنجاب، وأكثرها انتشارا "نظام مضادات الفيروسات القهقرية العالية الفاعلية، بهدف تخفيض الحمل الفيروسي بشكل كبير"، وتؤدي هذه الطريقة، الى انخفاض نسبة الإصابة من الأم إلى الجنين من 1% الى 1 بالألف.
وفي حال كانت المرأة هي المصابة، لفت باخوم إلى طريقة علاجية اخرى ذات تكلفة عالية، تمنح المصابين طفلاً سليماً، وهي غسل الحيوانات المنوية من السائل المنوي ثم حقنها اصطناعيا داخل رحم المرأة.
وحظي المتعايش خليل بوظيفة عامل في حديقة عامة بإحدى محافظات الشمال، لكنه فوجئ بأن طلبه رفض، ما جعله يتساءل "كيف لحارس او عامل حديقة ينقل فيروس الى الآخرين او يهدد صحة مجتمع بأكمله؟".
واضاف "مرضت من مجتمعي اكثر من مرضي بفيروس الإيدز، فأصبحت عاجزا عن إعالة أسرتي، وانضممت الى صفوف العاطلين عن العمل وأنا في كامل طاقتي".
ويسعى خليل واصدقاؤه المصابون والمتعايشون مع المرض، والذين يزيد عددهم على 220 مصابا، الى تأسيس جمعية أردنية لمكافحة "الإيدز"، ليسهموا في نشر التوعية في المدارس والجامعات بالمرض، لكن تلك الجمعية لم تر النور بعد أن جمدت وزارة التنمية الاجتماعية أوراقها.
من جانبه، أكد مدير البرنامج الوطني لمكافحة "الإيدز" في الأردن الدكتور بسام الحجاوي على أن أعداد المصابين بالمرض في المملكة يعد مرتفعا، مطالبا بتقوية برنامج الرصد وضبط العدوى في مديرية الأمراض السارية في وزاة الصحة.
وأضاف أن "البرنامج ينفذ نشاطاته في المرحلة الحالية مع منظمات المجتمع المدني، لنشر التوعية والتثقيف بين افراد مجتمعنا بالمرض، متزامنا مع برامج تستهدف الإعلام عقب تنفيذ استراتيجية إعلامية لم يتم إطلاقها رسميا".
كما يسعى البرنامج جاهدا الى علاج المصابين بـ"الإيدز" في المستشفيات الحكومية من امراض اخرى عرضية، يصابون بها كأمراض الأسنان والإنفلونزا وغيرها، وذلك تجسيدا لشعار اليوم العالمي لـ"الإيدز" العام الماضي، والذي ينص على "إتاحة الصحة للجميع تجسيدا لحقوق الإنسان.
وبحسب ناشط في جمعية "فكر إيجابيا" اللبنانية هو الشاب حسن، فإن أفراد الجمعية المعنية بمكافحة "الإيدز"، يتوجهون الى المتعاملات بالجنس والمثليين في شوارع لبنان المعروفة، لتوزيع الواقي الذكري (الكاندوم) والنشرات التثقيفية عليهم في محاولة لنشر التوعية الإيجابيّة الهادفة الى تحسين الوضع النفسي والاجتماعي للأشخاص المتعايشين مع المرض.
"أياً كانت الطريقة التي انتقل بها الفيروس للمصاب، فإن لحامله حقوقا قانونية، وهذا ما كفلته الاتفاقيات الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الإنسان"، بحسب حسن.
ولم يتردد حسن في تأسيس موقع الكتروني خاص بالمتعايشين مع المرض، يعلنون فيه وبجرأة عن أنفسهم للملأ، تحت شعار "فلتتشابك أيادينا ونفكّر إيجابياً، عبر مؤسسة أنشأها متعايشون مع المرض، فقد آن الأوان لكسر جدار الصمت والخروج من التقوقع والإعلان عن وجودنا، ونحن على ثقة بأنكم ستنضمّون إلينا في فكر إيجابياً".
من جانب آخر، تتشابه قصة عمار العراقي مع كثيرين من مصابي "الإيدز" العرب، فقد ترك مدينته بغداد إلى عمان قبل أعوام مضت، بحثا عن عمل وحياة جديدة، عقب اكتشاف إصابته بالمرض، ووفق ما قاله لـ "الغد" فإنني "أقمت علاقة غير شرعية مع متعاملة بالجنس أثناء سفري الى دولة أوروبية، من دون أن أستعمل الواقي الذكري، وكررت العلاقة المحرمة مع أخرى تعيش في فراغ عاطفي".
و"بدأت تتوثق العلاقة بينهما يوما بعد يوم، لكنها انتهت "بكارثة"، كان ثمنها تهديدا لحياته ورحلة معاناة طويلة مع العلاج وانتظار الموت، ولم يزل في الرابعة والثلاثين من العمر"، وفق عمار.
وقال عمار "لحظة متعة دمرت حياتي، وما زلت شابا في مقتبل العمر، أحلم بزوجة وأطفال يلعبون من حولي (...) حرمت والدي من مشاهدة أحفاده".
في السياق نفسه، حصل الأردن على منحة قيمتها خمسة ملايين دينار، مكنت البرنامج الوطني من الاستمرار في دراسة الرصد السلوكي البيولوجي للوصول إلى ما تسميه وزارة الصحة بـ" الفئات الخطرة"، ومن شأن هذه الدراسة، التي نفذت في محافظات: عمان واربد والزرقاء والعقبة، تحديد حجم مشكلة انتشار الفئات الخطرة في المملكة، تمهيدا لوضع استراتيجيات وقائية وعلاجية لها.
ووسط اتهامات غير مباشرة للبرنامج بعدم "مصداقيته" في رصد الأعداد الدقيقة للمصابين بـ"الإيدز"، تحدد الدراسة التي تقدم لأصحاب القرار والدول المانحة "الخريطة الصحية العلاجية الوقائية للفئات الخطرة"، بحسب الحجاوي.
وعرّف خبراء أردنيون وعرب شاركوا في عدة اجتماعات إقليمية متتالية عقدت في عمان خلال الأعوام الماضية "الفئات الخطرة"، بأنها "المتعاملات بالجنس مقابل أموال، والمثليون (الشاذون جنسيا)، والنزلاء في مراكز الإصلاح والتأهيل، والسائقون الذين يغادرون البلاد باستمرار".
بدوره، رفض الاختصاصي النفسي في مركز الإرشاد - الخط الساخن يوسف النجار، فكرة تطبيق الحجر الصحي على مرضى "الإيدز"، معتبرا أن ذلك ينعكس سلبا على صحتهم ويفقدهم حقهم في أن يكونوا مواطنين منتجين في المجتمع "فالمركز يحارب المرض ولا يحارب المريض".
ويشير النجار إلى الآثار النفسية للمرضى و"المتمثلة في الخوف الشديد من الموت، فضلا عن الشعور بالذنب، إذ يحاول المصاب الابتعاد عن الأقارب والأصدقاء لشعوره بالنبذ من المجتمع".
وأكد على أن المرض غير معد عن طريق اللمس أو رذاذ السعال أو الملابس، وحتى عند استعمال الحمام بعد المريض، وكذلك لم تثبت الدراسات أن اللعاب لا يصيب بالمرض.
الى ذلك، تنبهت المراكز المتخصصة في علاج السرطان و"الإيدز" والأمراض المزمنة في الوطن العربي وبخاصة الأردن في مركز الحسين للسرطان الى أهمية رعاية المرضى تلطيفيا، والتي تقدم الدعم للمربض نفسيا واجتماعيا منذ معرفته بإصابته.
وقال الدكتور سيد زينادي مستشار البرنامج الإقليمي لـ"الإيدز" في الدول العربية لـ"الغد" إن "قيمنا الاجتماعية المنبثقة من الأديان السماوية والعادات والتقاليد العربية تحضنا على أمور إيجابية كثيرة، توفر حياة كريمه للمصابين بالأمراض المرتبطة بالموت".
وبين أن من أهم هذه القيم "احترام الإنسان كإنسان، وعدم رفض المريض وإهانته او الانتقاص من قدره، فهو إنسان كريم"، مبينا أن تعاضدد المجتمع والتكافل الاجتماعي والنظام المؤسسي (اللامركزية) من أهم أساسيات القيم المجتمعية.
وأضاف زينادي، تبدأ مرحلة الرعاية التلطيفية منذ سماع المريض بطبيعة مرضه وليس كما هو مشاع قبل موته، فالرعاية النفسية والاجتماعية الكريمه من قبل الطبيب والأسرة والجيران للمرضى غير مكلفة، كنها تساعدهم على تحمل الحياة. الغد
الأكثر قراءة