الشريط الاخباري
- يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
- رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
- نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577
هجرة المسؤولين السابقين إلى المجتمع المدني, هل تحمل نية السيطرة على دولة الظل ?
هل يمكن لهجرة المسؤول الذي غادر المنصب الرسمي - إن جاز التعبير - أن تمر إلى المجتمع المدني مرور الكرام? سؤال مطروح يبحث عن إجابة في ضوء ما شهده المجتمع الأردني في العقدين السابقين من توجه بعض السياسيين والوزراء للمجتمع المدني, فتحول الناشط الحزبي إلى ناشط حقوقي, كما أصبح المسؤول الداعي للهدوء والمروج لسياسات الحكومة مع الوقت في عداد المشاغبين.
بداية لا بد من إضاءة جانب عن مفهوم المجتمع المدني كما عرفته القواميس البحثية العربية, ومنها تعريف نائب رئيس مركز البحوث العربية والأفريقية في القاهرة عبد الغفار شكر في مقال له على موقع الحوار المتمدن بأن المجتمع مكون من; المجتمع السياسي والمجتمع المدني. ملخصاً المجتمع السياسي بأنه مجتمع الدولة المكون من الدولة وأجهزتها والتنظيمات والأحزاب السياسية التي تسعى للسيطرة عليها في حين أن بنية المجتمع المدني مكونة من الأفراد والهيئات غير الرسمية.
رغم ذلك فإن الأحزاب في مجتمعنا تعد جزءاً من المجتمع المدني وليس السياسي, فلا يمكنها الوصول إلى السلطة بصورة سلمية; كون أبرز مقومات المجتمع المدني هو عدم السعي للوصول إلى السلطة.
وفي سياق حديث عبد الغفار شكر عن المجتمع المدني تناول مقصد الدول الكبرى الداعية لفكرة المجتمع المدني, إذ أنها تهدف التخفيف من حدة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تطبيق سياسات التكيف الهيكلي والتحول إلى اقتصاد السوق والاندماج في الاقتصاد الرأسمالي العالمي وفق الشروط التي تضعها المراكز الرأسمالية المتقدمة.
بالتالي فإن قوى العولمة تهدف لخلق "دولة ظل" - حسب شكر - عبر دعمها للمجتمع المدني, ليقوم بالدور البديل للدولة في قضايا التنمية, وذلك سيكون على حساب دور المجتمع المدني في دعم التطور الديمقراطي للبلاد. وذلك بعد أن كانت منظمات المجتمع المدني في السبعينيات تعمل وفق حاجات المجتمع الحقيقية وليس وفق املاءات.
كل ما سبق إلى جانب واقع المجتمع في بلدنا; يدفع للبحث والتساؤل حول حالة "دولة الظل" هذه, عندما يستقر فيها المسؤول بعد انتهاء مهامه السياسية.
هجرة المسؤولين إلى المجتمع المدني.
تشير رئيسة إتحاد المرأة الأردنية آمنة الزعبي أنه لا يمكنها بعد تحديد حجم الظاهرة, لكن مع ذلك لا تنفي لجوء عدد من الشخصيات النافذة والمسؤولة لإنشاء منظمات مجتمع مدني, وتضيف"لا بأس من زيادة عدد المنظمات العاملة على خدمة المجتمع ومحاور الديمقراطية ومؤسسات الدراسات والبحوث, فالعملية تتطلب وجود مجتمع مدني فاعل وشريك".
لكنها تعود وتعلق بأن الخوف هو أن يؤدي تنامي هذه الظاهرة إلى إفراز مجتمع مدني حسب مقاييس الحكومة, فتصبح آراء هذه المنظمات منسجمة مع الموقف الرسمي.
حديث الزعبي يؤشر لقضية خطيرة, كون ذلك يشي بنوايا طمس الآراء المعارضة التي يمكن أن يكون المجتمع المدني أحد منابرها, مع الإشارة إلى أن هذا النوع من المنظمات لا يمكن وضعها في سلة واحدة, فهناك المنظمات التي تنشأ بإيعاز من الحكومة, وتلك التي يسعى لإنشائها مسؤول سابق, مستثمراً حالة النفوذ التي وصل لها, بهدف كسب مجدين اثنين إلى جانب الامتيازات حسب الزعبي.
بناء على ما سبق فإنه لا ينتظر في الغالب من هذه المنظمات أن تقوم بدور رقابي على الحكومة شأن المنظمات الأخرى, وعلى ذلك تعلق الزعبي بأن المصالح في النهاية متبادلة بين الحكومة وبين "مسؤولي الأمس - ناشطي اليوم" وذلك على حساب منظمات المجتمع المدني.
لم تقبل الأمينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة أسمى خضر الفكرة السابقة على إطلاقها إذ بينت أنه يتوجب النظر إلى خلفية الشخصيات المسؤولة, فإذا كان له تاريخ سابق في العمل النقابي أو بالمجتمع المدني فلا بد أن يعود لأجوائه السابقة.
يشار أنه سبق التحاق خضر بالحكومة الأردنية عام 2003 حضورها الواضح في المجتمع المدني, كما أنها وفي أعقاب استقالة حكومة د. عدنان بدران التي شغلت فيها منصب وزيرة الثقافة عادت للمجتمع المدني لتستأنف نشاطها.
وفي ضوء تجربتها تعتبر خضر "أن السبب في لجوء عدد من المسؤولين إلى المجتمع المدني يرجع لتلمسه الحاجة لسد ثغرات معينة في المجتمع, وبما أنه فقد المنصب الوزاري الذي يؤهله للعمل وسد الثغرات, فإنه يبحث عن وسيلة لسد الثغرة" مبينة أن العبرة في مدى الفعالية والتأثير يكمن في تحقيق الأهداف المرجوة من المنظمة.
في حين يرى عضو هيئة إدارية في الهيئة الأردنية للثقافة والفنون سلمان النقرش أن سبب توجه المسؤول إلى المجتمع المدني يعود إلى الفراغ السياسي الذي يخلفه تركه للوزارة, مما يدفعه للسعي نحو المجتمع المدني ليبقى على تواصل مع الناس.
عضو مجلس الشورى في الإخوان المسلمين زكي بني إرشيد لا ينظر لهجرة المسؤول للمجتمع المدني والأحزاب إلا كونها وسيلة للبحث المستمر من قبل المسؤول عن طريق استمرار دوره, أو بهدف إعادة التأهيل للعودة إلى المناصب الرسمية.
وأضاف "باعتقادي أنها وسيلة للبحث عن منصات للقفز إلى المناصب ولفت نظر صانع القرار إلى هذه الشخصية والتفاوض معها من موقع جماهيري أو حزبي" ملمحاً بذلك إلى لجوء بعض المسؤولين إلى تشكيل أحزاب.
كل الدعم والتسهيلات لمنظمات المسؤولين
تفتح عبارة "المصالح المتبادلة بين مسؤولي الأمس والحكومات" الباب للنقاش فيما يخص وجود هذا النوع من المنظمات, التي ترى الزعبي أنها تحظى بالدعم والتسهيلات من قبل الحكومة, وتحديداً بعد إقرار قانون الجمعيات في عام 2008 الذي جعل الصلاحيات بيد الحكومة, فأصبح المجال متاحاً لإطلاق يد الحكومة في الموافقة على التمويل أو رفضه بانتقائية متناهية باتت المنظمات تشعر بها بعد سريان القانون.
هذا الأمر يؤدي وفق ما ترى الزعبي لتعظيم دور هؤلاء المسؤولين ووجودهم بين الناس, فيقوموا بمنافسة المجتمع المدني, الذي يملك موقفاً حقيقياً ويعمل حقيقة في الميدان.
الخطر لا يحدق فقط بأداء المنظمات الأخرى, لكنها يتعداه إلى احتمالية تقديم صورة الحقوق العامة في مجتمعنا إلى الأمم المتحدة بنظرة رسمية, وتوضح الزعبي قائلة" كل دولة مطالبة برفع تقريرين حول وضع الحقوق فيها, الأول يقدم الصورة الرسمية والثاني يقدم وجهة نظر المجتمع المدني".
هنا تتضح خطورة سيطرة الحكومة على المجتمع المدني, إذ أن تقرير المنظمات لن يحمل صورة مغايرة حول حقوق الإنسان عن ذلك الذي تعده الحكومة. لتخلص الزعبي إلى أن المجتمع المدني قوامه الديمقراطية وبدونها لا يمكن أن ينمو بحق.
لكن خضر تعتبر أن سعي الحكومات لتشكيل منظمات مجتمع مدني أمر طبيعي كون أي حكومة على الإطلاق تسعى لأن تكون هناك تشكيلات توافقها, لكن المهم برأيها أن يكون المجتمع المدني حيويا وقريبا من مطالب الناس, وأي إطار ديمقراطي وسياسي يجب أن يتيح إمكانية التعددية, واصفة تنوع المجتمع المدني في هذا الإطار على أنه "مجتمع يضم مختلف ألوان الطيف".
وتعتقد خضر أن الحفاظ على فعالية المجتمع المدني وحيويته ليقوم بدوره; لا يتم إلا إذا كانت الحرية مكفولة للجميع, والتعامل الحكومي مع المنظمات منصف وقانوني يساوي بينها ولا يحابي أحداً.
الحزبيون أيضاً هاجروا للمجتمع المدني
جذب المجتمع المدني الحزبيين إليه قبل المسؤولين, ففي منتصف التسعينيات بدأت أسراب الحزبيين تغادر الأحزاب "أعشاشها الأولى" وتحط في منظمات المجتمع المدني, ويعلل عضو هيئة إدارية في الهيئة الأردنية للثقافة والفنون وحيد قرمش ذلك قائلا "يعتقد المسؤولون والحزبيون بإمكانية مواصلة الطريق عبر أدوات ووسائل جديدة".
وبين قرمش الذي كان عضواً في حزب حشد منذ السبعينيات, والذي تحول للمجتمع المدني في فترة التسعينيات أن الخلل يرجع للأحزاب فهي لم تواكب التطورات الكبيرة التي حصلت بعد انتهاء الأحكام العرفية, الأمر الذي ألحق صدمة بالحزبيين مما دفع بعضهم للإحباط من العمل السياسي فاختار بعضهم اعتزال الحياة السياسية برمتها واستسلم للإحباط, في حين اختارت فئة أخرى التوجه للمجتمع المدني, ولزمت فئة ثالثة العمل الحزبي.
ولم يعتبر قرمش أن الحزبي يبدل طبيعة عمله بالكامل فهو يرى أن المفاهيم التي يتناولها المجتمع المدني مثل تفعيل المشاركة السياسية, وتعديل التشريعات الناظمة للحريات, إنما تدخل في صلب العمل السياسي. مبيناً أن المجتمع المدني في التسعينيات أمسى جزءاً رئيسياً من أدوات التأثير على الرأي العام, بعد أن كان ذا طابع خيري وحسب.
ويوافقه زميله في الهيئة نفسها سلمان النقرش الذي اعتزل حياته الحزبية الممتدة بين الأعوام 1977 وحتى ,1996 إذ أكد أن الأحزاب بعد الأحكام العرفية لم تواكب التغيرات العميقة.
وسعياً لرصد الحياة السياسية في أعقاب انتهاء الأحكام العرفية اعتبر بني إرشيد أن الذنب لا يلحق الأحزاب وحسب, بل إنه يعود إلى غياب البيئة السياسية والتشريعات المحفزة للعمل الحزبي, فرغم انتهاء فترة الأحكام العرفية مازالت القوانين المقيدة للعمل الحزبي موجودة, وهي السبب في إضعاف العمل الحزبي.
ويضيف بأن المجتمع المدني حاضر لأن الأحزاب غير قادرة على الوصول إلى السلطة بصورة سلمية الأمر الذي يلغي الجدوى من الأحزاب, فيصبح المجتمع المدني بالنسبة للبعض قناة أسهل للقفز نحو المناصب.
معتبراً أن ذلك أحد أبرز نتائج التشوه السياسي, مبيناً أن منظمات المجتمع المدني كانت مزدهرة في فترة الأحكام العرفية, لكن رغم انتهاء الأحكام العرفية إلا أن غياب بيئة سياسية حرة بفعل جملة من القوانين المقيدة للحريات, قاد حسب بني ارشيد إلى تفضيل الحزبيين للعمل في المجتمع المدني على الأحزاب. العرب اليوم - رانية الجعبري
الأكثر قراءة