الشريط الاخباري
- يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
- رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
- نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577
الإصلاح الاقتصادي على المحك .. والجميع بانتظار مبادرة حكومية تنموية
الحكومة التي تراجعت عن خطة التحفيز الاقتصادي عليها اعداد برنامج بديل لمواجهة تداعيات الازمة والمشاكل التي بدأت تلوح بالافق, وازالة حالة عدم اليقين السائدة بين اوساط المستثمرين والمتعاملين في الاسواق باجراءات وخطط تعزز تنافسية الاقتصاد وتؤسس لمرحلة جديدة من الاصلاح الاقتصادي.
التراجع عن خطة التحفيز بقيمة 156 مليون دينار فكرة صحيحة في الوقت الملائم, فاذا لم يكن لدينا مشاريع تنموية قادرة على زيادة الطلب وانعاش القطاعات فلسنا بحاجة اليها, فالهدف يجب ان يتوفر اساسا في تلك المشاريع من ناحية خلق فرص عمل للاردنيين واستخدام مدخلات محلية وتزيد من الصادرات الوطنية وتكون مدة انجازها خلال عام ,2009 وغير ذلك فاننا امام برنامج تنموي فاشل شبيه بالانفاق الذي احدثه قبل ذلك برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي.
لم يعد خافيا على احد ان عنوان المرحلة الراهنة على الصعيد الاقتصادي هو مواجهة تداعيات الازمة المالية على الاقتصاد الوطني والمتمثلة اساسا في ارتفاع عجز الموازنة المقدر للسنة الحالية ب¯ 689 مليون دينار او ما نسبته 4.5 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي, وعلى الارجح ان يتجاوز عجز الموازنة حاجز المليار على ضوء تراجع ايرادات الخزينة من ايرادات ضريبة المبيعات ورسوم الاراضي للشهرين الاولين من العام الحالي بنسب بلغت 10و35 بالمئة على التوالي, وبالتالي فان بقاء المعطيات الاقتصادية على ما هي عليه الان يعني ببساطة ان الايرادات المحلية قد تنخفض لاكثر من 10 بالمئة مما سيزيد من عجز الموازنة بمقدار 300 مليون دينار على اقل تقدير.
مواجهة هذا التراجع تتطلب تحفيزا للاقتصاد وتحقيق نمو اقتصادي قادر على تعويض الخزينة تراجع الايرادات, والمؤشرات الاولية توضح ان الاقتصاد الوطني لن يحقق النمو المستهدف للسنة الحالية والبالغ 5.5 بالمئة, فبعثة الصندوق الاخيرة رجحت ان يتراوح النمو بين 3 و4 بالمئة, وبالتالي ستكون هناك معضلة امام الحكومة في خلق فرص عمل جديدة للاردنيين الذين يدخلون سوق العمل سنويا والبالغ عددهم 88 الف خريج من مختلف الجامعات, ليس فقط على الصعيد الداخلي وانما ايضا على المستوى الخارجي خاصة في دول الخليج العربي حيث تراجعت قدرة القطاع الخاص هناك في التوظيف من الخارج ومن المرجح ان تنعكس الاوضاع المالية الصعبة التي تعيشها العديد من الشركات الاستثمارية الخليجية على اوضاع العاملين الاردنيين حيث ان شريحة واسعة منهم بانتظار انتهاء موسم الدراسة لاتخاذ القرار النهائي بمستقبله العملي هناك, لذلك فان معدل البطالة والبالغ 12.7 بالمئة لسنة 2008 سيزداد في الربع الاول من العام الحالي مما يعطي انطباعا حول معدله طيلة السنة الحالية, لهذا فان الامر ستكون له تداعيات سلبية على جهود الحكومة في محاربة الفقر, وقد نسمع عما قريب بان هناك فقرا مؤقتا سرعان ما يتحول الى دائم.
لا شك انه لا يوجد احد يملك عصا سحرية لمواجهة الازمة, فتداعياتها تزداد يوما بعد يوم, والمعضلة الرئيسية ان الاقتصاد العالمي يعيش مرحلة من التقلبات المتسارعة يصعب التنبؤ بآثارها, فمسبباتها خارجية, واقتصاد مثل الاردن لا يملك في النهاية سوى السير مع التيار الجارف والتحوط قدر الامكان, لكن باستطاعته التأسيس اقتصاديا لمرحلة ما بعد الازمة, فدوام الحال من المحال.
الاصلاح الاقتصادي قد يكون اليوم ضرورة اكثر من اي وقت مضى, واعداده يتطلب حوارا وطنيا بين القطاعين وصولا الى رؤية تحقق التنمية المستدامة, ويركز على إعادة توزيع الثروات بين المجتمع بطريقة تحقق العدالة النسبية بين شرائحه الاجتماعية ويعزز من ايرادات الدولة ويزيد من الاعتماد على الموارد الذاتية ويهيئ الاردن لان يكون بيئة جاذبة للاستثمارات وموطنا للخدمات ويقوي المؤسسات ودولة القانون ويعزز من تنافسية القطاعات الاقتصادية الواعدة ويوظف الطاقات البشرية بالاسلوب الامثل.
لعل الاداة الابرز في مسيرة الاصلاح الاقتصادي هي تطوير السياسات المالية في البداية, وعندما نتحدث عن هذا الموضوع فاننا سرعان ما نذهب الى قوانين الضريبة المعمول بها, والبداية تكمن في انهاء حالة التشرذم بين تلك القوانين والازدواجية التي تلخبط اوراق المستثمرين وتزيد من الاعباء البيروقراطية على المواطنين, لذلك فان المعالجة تتم من خلال ايجاد مشروع قانون موحد للضريبة يوحد مرجعيتها واهدافها.
في ظل التباطؤ الاقتصادي ودخول بعض القطاعات في ركود نسبي فان السؤال الذي يُطرح عادة في اي مشروع قانون ضريبي هو باي اتجاه تكون معدلات الضريبة?
في العادة يلجأ راسمو السياسات الاقتصادية الى تخفيض معدلات الضرائب على القطاعات الاقتصادية لتحفيز النشاط الاقتصادي وتعزيز الطلب, والواقع ان رأيا يتم تداوله بين المعنيين يجري التباحث حول تداعياته وآثاره على الاقتصاد الوطني يؤسس لقانون موحد للضريبة يستند الى فكرة احداث تخفيض نوعي على معدلات ضريبة الدخل على جميع القطاعات التي تقدر بحوالي 660 مليون دينار للسنة الحالية, تستند في حيثياتها الى توحيد الضريبة على القطاع المالي من بنوك وشركات تأمين الى نسبة 20 بالمئة بعد ان كانت 35 بالمئة مصاحبا بتوحيد الضريبة على قطاعات التجارة والصناعة والسياحة الى 10 بالمئة, بنفس الوقت تتم الان دراسة تخفيض آخر على ضريبة المبيعات بنسب بين 1و2 بالمئة في نسبها والتي تقدر تحصيلاتها العام الحالي بحوالي 1.8 مليار دينار, ومن المعلوم ان تخفيض واحد بالمئة منها يعني ببساطة ان الخزينة ستخسر 50 مليون دينار.
الافكار الخاصة بتعديلات الضريبة في اطار عملية الاصلاح المالي مصحوبة بحزمة اجراءات جذرية على صعيد الرسوم الجمركية المقدرة سنة 2009 بحوالي 270 مليون دينار, بحيث يتطلع راسم السياسة الى الغاء الرسوم الجمركية عن العديد من السلع والبضائع خاصة المواد الغذائية ومدخلات الانتاج ومستلزمات الصناعة والتنمية باستثناء المواد الكمالية, وبالتالي هذا مؤشر على الغاء مبدأ الحوافز التي ستمنح للمستثمرين وفق قانون تشجيع الاستثمار التي تمنحها لجان حوافز الاستثمار المختلفة, لان مستلزمات الاستثمار ستكون معفية من الجمارك بحكم قانون الضريبة.
حزمة التخفيضات المقترحة على ايرادات ضريبة الدخل والجمارك قد تكلف الخزينة ما يقارب ال¯ 225 مليون دينار ما يعني تلقائيا ارتفاع العجز عن النسب المستهدفة وهذا التحدي امام راسم السياسة في كيفية تعويض الخزينة عن تلك الايرادات التي من الممكن ان يزيد حجم خسائرها اذا ما اضفنا اي مشروع قرار لتخفيض مماثل على معدلات ضريبة المبيعات.
راسم السياسة يتطلع الى حزمة التخفيضات الضريبية والجمركية في الوقت الصعب الراهن الذي تمر به الخزينة لعدة عوامل اقتصادية, فهو يراهن على ان اي تخفيض في الضريبة خاصة سيساهم في تحفيز الطلب من عدة جوانب, فالتخفيض في ضريبة الدخل يعني انه سيساعد القطاعات على زيادة نشاطها وخلق فرص عمل جديدة بداخلها, اضافة الى ذلك انه يتزامن مع جهود حكومية لمعالجة التشوهات في البيئة الاستثمارية من خلال توحيد المرجعيات الضريبية من جهة وزيادة جاذبية البيئة الاستثمارية من جهة اخرى حيث ان التخفيضات الضريبية والجمركية واحدة من اهم العقبات التي تؤدي بالمستثمر الى العزوف عن القدوم للمملكة التي يتطلع الجميع الى احداث نقلة نوعية في بيئة التشريعات الاستثمارية بداخلها.
لا شك ان التخفيضات المقترحة قد تلحق خسائر بالخزينة في المدى القصير, لكن الرهان بان تلك الخسائر الضريبية والجمركية قد تتحول الى زيادة في المدى المتوسط والبعيد لعدة اسباب اهمها: ان التخفيض الضريبي سواء على المؤسسات او الافراد سيولد نشاطا اقتصاديا اكبر يساهم في زيادة التحصيلات الضريبية من جهة وتوسيع قاعدة المشمولين بالضريبة والحد من التهرب الضريبي حيث سيتم تشديد العقوبات بحق مرتكبيه, وفي المحصلة فان الرهان يدور حول تعويض الخزينة لايراداتها الضريبية مع نهاية العام الحالي.
لكن السؤال يبقى يدور حول مدى ضمان تخفيض الضريبة والجمارك في الاردن في المساهمة في تحفيز النشاط الاقتصادي وتعزيز عملية التنمية? والى اي مدى سيمنع التهرب الضريبي ويلزم اصحاب المنشآت خاصة البنوك بعكس تخفيض الضريبة على كلف منتجاتها مثل اسعار الفائدة.
طبعا اي اجراءات ضريبية وجمركية يجب ان ينظر اليها ضمن نظرة شمولية اصلاحية بعيدة عن اسلوب الفزعة في التعاطي مع الازمات الاقتصادية, وهذا يتم من خلال التحاور حول الاطار العام لقانون عصري موحد للضريبة.
على أية حال من المستبعد ان تلجأ الحكومة الى فكرة قانون مؤقت للضريبة بسبب تجاربها مع مجلس النواب السابق الذي نسف آخر مشروع قانون عرض عليه قبل عامين تقريبا.
لا شك ان طرح موضوع مثل قانون الضريبة على البرلمان فيه مخاطرة بسبب التراكمات التاريخية بين السلطتين, الا انها مجازفة تستحق الاقدام عليها لارتباطها بالتنمية الاقتصادية للمجتمع.
من المؤكد ان مسألة طرح قانون جديد للضريبة يشمل تخفيضات ضريبية وجمركية سيثير تساؤلات هامة لدى النواب, فالبعض سيشكك في التوجه على اعتبار ان التخفيض سيطال شريحة البنوك والشركات الرئيسية الرابحة اساسا, لكن علينا ان لا ننسى ان التخفيض سيطال كل القطاعات.
البعض سيرى ان التخفيض سيغامر بايرادات الخزينة المحدودة والمهددة بالتراجع ما سيولد ضغوطا على الاقتصاد خاصة في مسألة تنامي العجز المالي الذي ستنعكس زيادته على مؤشرات اقتصادية هامة اخرى مثل المديونية المرشحة للارتفاع هذا العام بمقدار مليار دولار على اقل تقدير حيث تسعى الحكومة لاقتراض 40 بالمئة من ذلك المبلغ من بنوك ومؤسسات مالية خارجية والباقي من الداخل.
شكوك النواب تجاه اي قانون ضريبي مشروعة اذا ابتعدت عن عامل الشخصنة, لكن في النهاية بما ان الحكومة ملتزمة بالابتعاد عن التفرد باصدار قانون مؤقت للضريبة فان الحوار والتشاور حول بنوده افضل وسيلة لاصدار قانون عصري يؤسس لمرحلة جديدة من الاصلاح الاقتصادي, ولن يكون بامكان الحكومة والنواب عمل مثل هذا الشيء الا في الدورة الاستثنائية المقبلة وما زال هناك متسع من الوقت للحوار الوطني حول مسألة الاصلاح الاقتصادي واصدار قانون جديد للضريبة.
في النهاية.. أية عملية اصلاح اقتصادي تتطلب حوارا بين المعنيين, ويجب ان يتم التعامل بطريقة استثنائية مع الوضع الاقتصادي غير التقليدي الراهن, ففي مرحلة الازمات تلعب المبادرات الاقتصادية الخلاقة دورا مهما في الاصلاح, ويكون التحرك الاقتصادي الاصلاحي للسلطتين اكثر تحررا بسبب زوال العديد من العقبات وظهور معطيات جديدة تتطلب منحى جديدا في التعامل. العرب اليوم
إقرأايضاً
الأكثر قراءة