- يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
- رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
- نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577
تجاوزات المؤسسات الحكومية الى أين؟!
العراب نيوز - عادل بني عيسى
ما زالت الانظار تتجه نحو تقرير ديوان المحاسبة 2008 الذي من المتوقع أن يصل الى الجهات المعنية بما فيها مجلس النواب خلال الاسبوع المقبل. وتنظر الأوساط الرسمية والمراقبون بشكل خاص الى ما سيتمخض عنه التقرير من تجاوزات مالية وادارية واعتداء على المال العام وما ستؤول اليه هذه الملفات التي تقيّم العمل الحكومي الرسمي وتبرز الهدر المالي في هذه المؤسسات وبخاصة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية والتي بدأت الحكومة بالاعتراف بها على لسان وزير المالية باسم السالم بعد أن أنكرت تماما ان الاردن تأثر بهذه الأزمة. وتحدث بعض النواب عن أن التشريعات الحالية لا تسمح لمجلس النواب باحالة قضايا الفساد التي تناولها التقرير الى القضاء، بينما تحدث نواب آخرون عن أن التشريعات تسمح بذلك مما يشير الى اتساع الهوة بين النواب أنفسهم وعدم فهم عدد كبير منهم للتشريعات التي تصدر عن المجلس نفسه. كما اتضح من خلال لقاءاتي الاسبوعية مع النواب أن عددا كبيرا منهم لا يعنيهم تقرير ديوان المحاسبة ولا يتابعون مجرياته وقضاياه ولم يعطوه الاهمية التي يستحقها. ويرى مراقبون أن على مجلس النواب أن يصحح تشريعاته ان كانت لا تطال الفاسدين وليس لديها صلاحيات (بنبش) قضايا الفساد التي تتناولها تقارير الديوان بالوثائق الدامغة التي لا تحتاج الى شهود. ويتساءل الكثير من الاردنيين عن جدوى اصدار تقرير ديوان المحاسبة وتوزيعه على مجلس النواب (مجلس الشعب) ان لم يقم المجلس بدراسته ومحاسبة المتسببين بالهدر المالي والتجاوزات الادراية واعادة الاموال (المهدورة) الى خزينة الدولة. ولم يمارس مجلس النواب دوره التشريعي في هذا المجال سوى في بعض الحالات التي كانت واضحة ولم تحدث فيها تجاوزات حقيقية كقضية الكابسات التي اتهم فيها الوزير الاسبق عبد الرزاق طبيشات وخرج منها بريئا بعد موجة من الدعاية والدعاية المضادة وكان بصدد رفع دعوى ضد الحكومة بهذا الخصوص. وعند الحديث عن صلاحيات ديوان المحاسبة وما يدونه من ملاحظات على الدوائر والمؤسسات الحكومية وتوثيق هذه الملاحظات نتساءل عن مدى تأثيره على التقليل او الحد من المخالفات والتجاوزات التي ينشرها في تقريره ولماذا هذا التوثيق وما هي صلاحيات الديوان بالضبط. وتعود بدايات عمليات تدقيق الحسابات في الأردن إلى العام 1928، حيث تم تأسيس فرع لمراجعة الحسابات في عمان ، وفي العام 1931 صدر قانون تدقيق وتحقيق الحسابات تم بموجبه إنشاء دائرة تدقيق وتحقيق الحسابات أنيطت بها مسؤولية فحص جميع حسابات الحكومة العامة سواء أكانت متعلقة بالواردات أم النفقات أم بحسابات الدوائر أم بحساب الأمانات والسلفيات والأموال الخاصة الداخلة في قيود المالية. وبصدور دستور المملكة الأردنية الهاشمية بتاريخ 8/1/1952 صدر قانون ديوان المحاسبة رقم (28) لسنة 1952 استناداً لإحكام المادة (119) من الدستور الأردني والتي جاء فيها “يشكل بقانون ديوان محاسبة لمراقبة إيراد الدولة ونفقاتها وطرق صرفها”. وعليه ان يقدم لمجلس النواب تقريرا عاما يتضمن آراءه وملاحظاته ويبين مخالفاته المرتكبة والمسؤولية المترتبة على كل مؤسسة في بدء كل دورة عادية لمجلس النواب أو كلما طلب منه المجلس بتقديم التقرير ، كما تنص الفقرة الثالثة من المادة (119) الى حصانة القانون لرئيس ديوان المحاسبة. وكرس مضمون هذه المادة الدستورية في قانون الديوان رقم (28) لسنة 1952 وتعديلاته والذي احتوى على عناصر الرقابة المالية و الإدارية والبيئية، وبموجب القانون أعلاه فإن الديوان يعتبر (دائرة مستقلة) وهو يمارس صلاحياته الرقابية على أموال الدولة للتأكد من أن انفاقها يستخدم لتحقيق الأهداف المالية والأقتصادية للدولة وتحقيق الأهداف العامة وفقاً للقوانين والأنظمة بإقتصاد وكفاءة وفعالية وبما يحقق الهدف الدستوري والنظامي من استخدام المال العام، وعدم إساءة الإستعمال والتقصير والإهمال بها. اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس النواب التي يرأسها النائب مفلح الرحيمي أكدت على دعمها المطلق لعمل ديوان المحاسبة في القضاء على المخالفات وتجفيف منابع الفساد المالي والاداري في المؤسسات الحكومية. كما وعدت اللجنة بايجاد تشريعات لاتباع الشركات التي تملك الحكومة فيها نسبة 25 بالمائة من الأسهم إلى رقابة ديوان المحاسبة واتفقت مع الديوان على تزويدها بتقارير شهرية عن الأداء المالي والإداري للوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية، وطالبت الديوان بتشديد الرقابة على المؤسسات الحكومية المستقلة خصوصا الجامعات والبلديات. هذه الصلاحيات الواسعة والاستقلالية النادرة لم تستغل بشكل يفعّل دور ديوان المحاسبة او حتى مجلس النواب وقد يكون الفساد أكبر من الديوان ومن المجلس نفسه كما وصفه بعض النواب والسياسين الاردنيين الذين قالوا «ان الفساد في الاردن مؤسسي». قد يكون هذا القول قريبا من العقل ، والا فماذا يعني عدم تقديم أي مسؤول للمحاسبة عن تجاوزات اقترفها خلال توليه لمنصبه الوزاري أو الوظيفي حتى الآن بينما يقدم مسؤولون على درجة كبيرة من الأهمية في دول اخرى ويلاحق رؤساء وزارات لمجرد شبهة وليس فسادا. قد يواجهك نائب أو مسؤول رفيع بابتسامة عندما تسأله عن ملفات الفساد او تقارير ديوان المحاسبة ، وكأن هذه الأمور باتت عبارة عن (بريستيج) كتعبير عن مقياس الديمقراطية التي يتمتع بها الاردن سواء المواطن العادي او الصحفي الذي يستطيع أن يتحدث ولكنه لا يحدث أي أثر يذكر على الارض ولم تستطع الصحافة الاردنية حتى الآن الاطاحة بمسؤول وان حاولت فان هذا المسؤول قد ينتقل الى منصب آخر أكثر حساسية وأهمية. اذن فما الجدوى من مناقشة تقارير ديوان المحاسبة في مجلس النواب بعد كل تقرير ، وما الطائل من وراء وجود ديوان المحاسبة طالما أنه لم يحدث أثرا مسلكيا او معنويا على أي مؤسسة حكومية او عامة تخضع لرقابته. الشارع الذي أصبح لا يؤمن لا بالمجلس ولا بالديوان ويصب جام غضبه على مجلس النواب الذي انتخبه والذي يرى انه لم يقم بدوره الرقابي ولا حتى التشريعي ، وهو يبحث عن مكتسبات خاصة فقط دون النظر للمصلحة العامة التي وجد النائب من أجلها ، يشكك بمدى جدّية (المحاسبة). عدد كبير من النواب يرى أن ديوان المحاسبة يجب أن يُلحق بمجلسهم ، ولكن هذا القرار إن تم من وجهة نظر مراقبين فانه يحتاج الى مجلس نواب قوي وصارم يستطيع السيطرة على زمام الامور ولا تأخذه في الحق لومة لائم. وكشف تقرير ديوان المحاسبة 2007 عن هدر مالي بالملايين في وزارة الزراعة وعن تجاوزات مالية واداردية في كل من وزارة الأوقاف ووزارة العدل و المجلس الأعلى للشباب ومؤسسة التدريب المهني و مؤسسة الإذاعة والتلفزيون وهيئة المرئي والمسموع ومؤسسة الضمان الاجتماعي، وغيرها من المؤسسات الحكومية المختلفة. وعقدت اللجنة المالية الاقتصادية النيابية اكثر من اجتماع الشهر الحالي برئاسة النائب مفلح الرحيمي وحضور رئيس واعضاء اللجنة المالية ومدير ديوان المحاسبة مصطفى البراري ومدير عام مؤسسة الضمان عمر الرزاز حيث طلبت من ديوان المحاسبة ووزارة الزراعة تزويدها بتقرير مفصل حول المخالفات والاستيضاحات الواردة في تقرير الديوان بحق الوزارة ، وانتقدت أداء الوزارة التي لم تصوب المخالفات والاستيضاحات الواردة في تقارير الديوان للاعوام 2000 ـ 2007. وفي جلسة اخرى ناقشت اللجنة المخالفات والاستيضاحات الواردة في تقارير الديوان على وزارة الاوقاف والدوائر التابعة لها ووزارة العدل والمحاكم والمجلس الاعلى للشباب ومؤسسة التدريب المهني ومؤسسة الاذاعة والتلفزيون وهيئة المرئي والمسموع . وأوصت اللجنة خلال مناقشتها ملخصات ديوان المحاسبة بشأن مؤسسة الضمان الاجتماعي في الجلسة المسائية باسترداد 385 الف دينار من الاتحاد العام للنقابات العمالية. وكانت مؤسسة الضمان منحت هذه المبالغ المالية لنقابات العمال كمساهمات نقدية سنوية بلغت 175 الف دينار خلال العام 2005، و210 الاف دينار خلال العام 2006 دون أي سند قانوني. وانتقد أعضاء اللجنة صرف نفقات ابتعاث لبعض أبناء العاملين بالاتحاد العام لنقابات العمال على حساب المؤسسة، وإصدار تعليمات تنفيذية لمثل هذه البعثات دون سند قانوني. واعتبرت اللجنة منح هذه المبالغ المالية الكبيرة والبعثات الدراسية هدرا للمال العام وانه «لا يجوز للمدير العام أوغيره تبرير الهدر بالمال العام بأنه (هكذا درجت العادة) لأن ذلك من شأنه ان يقضي على أموال الضمان». وناقشت اللجنة مخالفة حول حصول موظفي المؤسسة على 143 الف دينار بعد تعديل علاوة السفر وعلاوة النقل الشهرية، وصدر تعديل نظام موظفي المؤسسة بقرار من مجلس ادارة المؤسسة، بينما صاحب اتخاذ قرار التعديل هو مجلس الوزراء. وأشار رئيس ديوان المحاسبة الى انه «تم الغاء قرارات التعديل، لكنه لم يتم حصر واسترداد المبالغ المصروفة زيادة عن المستحق من علاوة السفر. رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب مفلح الرحيمي أكد أن اللجنة المالية ناقشت كافة قضايا تقارير الديوان للاعوام 2000 ـ 2007 وطالبت الحكومة بمتابعة هذه المخالفات والاستيضاحات لتتمكن من استرداد الاموال العامة ومحاسبة المخالفين. وبالرغم من بعض الاجراءات التي يجب ان تكون ملزمة وقانونية الا أن هناك قناعات عامة بأن النتائج ليست مضمونة واعتقاد سائد بعدم الجدية بالمحاسبة على التجاوزات التي نخرت في جسد مؤسساتنا وأصبحت جزءا منها بعيدا عن المحاسبة.
مواطن22-05-2009