- يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
- رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
- نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577
أبو القاسم الشابي: انتفض من قبره ليقود الثورات العربية
الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي ينتفض من قبره ويعود ليقود الثورات العربية انطلاقا من تونس، كيف لا والبيت الشعري التاريخي "إذا الشعب يوما أراد الحياة * فلا بدّ أن يستجيب القدر" لا تغيب عن شعارات التمرّدين على الجبابرة والراغبين في الإنعتاق، الشابي شاعر الثورة والحرية والحب، يتغنى بشعره الشباب الثائر وفي الفترة الأخيرة وفي موطن الشابي مدينة توزر تمّ الإحتفاء به في إطار الدورة الحادية والثلاثين من مهرجان الشعر العربي الحديث بالجريد من خلال مداخلات "معاني الثورة وثورة المعاني في شعر الشابي" و"الحرية لحن الحياة الخالد في شعر الشابي"... الشابي ولأنه خارج إطار الزمان والمكان فقد قال فيه الشاعر ابراهيم ناجي "كان الشابي شاعرا كاملا وأول صفاته أنه أحب الحياة حبا عميقا كاملا، أحب الجمال وأحب وطنه، وأحب الحرية، وكما ظهر هرميروس في أثينا، وشكسبير في لندن، وجوته في ألمانيا، وبوشكين في روسيا.. كذلك ظهر الشابي في تونس." وقال عنه رجا النقاش "كتب أبو القاسم الشابي شعرا مليئا بالغضب بسبب إحساسه بأن الموهبة العربية ضائعة ومسحوقة."
من جانبه تحدث الأديب والشاعر التونسي الهادي العثماني عن أبي القاسم الشابي فقال: "يرى ألبيركامو في كتابه "المتمرد" l’homme révolté) أنّ الفنّ عموما، والرسم بصفة خاصة هو أبرز مظاهر الثورة والتمرد، وهو أصدق وسيلة للتعبير من الحرية، وطلب الحرية، لأنه لا يخرج عن كونه رفضا صريحا لواقع جامد والسعي إلى هدمه لإعادة البناء على نسق جديد يرضي طموح النفس المتمردة الثائرة، والشاعر كما الرسام، لا يمكن له أن يكون مبدعا إن اكتفى بتصوير الواقع كما هو، لأن ذلك لا يخرج عن أن يكون تكرارا ممجوجا لنموذج موجود بدل التوق إلى تحقيق مطلب منشود.
و على هذا الأساس، كان أبو القاسم الشابي شاعرا ثائرا متمردا على كل شيء، رافضا كل مظاهر الإستكانة والعبودية والركون، ممجدا للحرية والإنعتاق وهو القائل:
خلقت طليقا كطيف النسيم وحرّا كنور الضحى في سماه
تغرّد كالطير أين اندفعت وتشدو بما شاء وحي الإلــــــه
الشابي إذن شاعر ثائر لأنه مبدع فنان، وهو مبدع فنان لأنه ثائر. لقد كان ثائرا في كل شيء، وعلى كل شيء انطلاقا من تجاوزه الأنماط القديمة في الشعر وخاصة على مستوى المضمون، فقد جعل الإنسان محور اهتمامه وكرّس قصائده للعواطف الإنسانية السامية، مترفعا بها عن سفاسف القول مما كان سابقوه وبعض من معاصريه ينحطّون إليه لأنه على حدّ قوله يكتب الشعر لإرضاء الضمير لا لمدح الأمير مما جعل الشاعر محمد الفائز القيرواني يقول:
جئت للخضراء والشعر بها لا يرى إلا مديخا أوعتابــــــا
فتصدّيت له حتى غـــــــــدا وارف الظل عزيزا مستطابا
و أكّد العثماني على الثورية طلبا للحرية عند الشابي فقال: "ولأن الحرية مطلب الثورات فقد ثار الشابي طلبا للحرية،و كانت المرحلة التاريخية والواقع التونسي والعربي عموما، أسبابا ملحّة تهيّء إلى الثورة وتدعو إلى طلب التحرر والإنعتاقو تنادي بكسر الجمود والتمرد على الموجود، فقد كانت تونس وبعض البلدان العربية آنئذ ترزح تحت هيمنة الإستعمار، وعاش الشعب أبشع مظاهر الظلم والفقر والجهل والذل والإستكانة، ودب اليأس إلى النفوس الضعيفة فكان الإستسلام وساد الفكر الإنهزامي، وكأنّ العربي قد خضع للقدر، ورضي بواقعه فآلتجأ إلى الدين مهربا وراح يفسره من زاوية جهله تفسيرا سطحيا، رأى من خلاله أن الواقع قدر مفروض وأنه فيه مسيّر فضعفت العزائم وخارت الهمم وانهارت القيم وانخرم المجتمع، وأصبح الإنسان العربي من الرعايا، تابعا محكوما، راضيا قنوعا، سلبيا خنوعا، وهو ما فجر براكين الثورة والتمرد لدى الشابي في أروع قول عرفه الشعر العربي مطلقا حين قال في قصيدته الخالدة "إرادة الحياة": إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر
و لا بد لليل أن ينجلـــــي ولا بد للقيد أن ينكســـر
هذا القول الرهيب الذي قرع ناقوسا أيقظ الغافلين، كان بمثابة دستور الثورة والمثير لهمم الناس، الواعز إليهم بالتمرد، المحفّز لعزائمهم، وكان سلاحا آخر لمقاومة الإستعمار ورفض الظلم والإستكانة، وكان أول دروب الحرية.. لقد طفح الكيل لدى الشابي وهو يعيش في مجتمع ذليل فثار على كل شيء حتى على شعبه فخاطب في غضب ظاهره نقمة وباطنه مودّة:
أيها الشعب ليتني كنت حطابا ** فأهوي على الجذوع بفأسي
إنها الثورة الداعية إلى الهدم من أجل إعادة البناء وإعلان التمرد على العبودية طلبا للحرية، وهو النداء لقتل الموت لإحياء الحياة، ولكن الشعب مستكين لا يحركه نداء الشاعر ولا هو يحسّ بما يختلج في نفس هذا الرجل من رياح الحرية والتوق إلى الإنعتاق ويؤسفه ما ران على شعبه من مظاهر الضعف والجهل فيصرخ:
ليت لي قوة العواصف يا شعبي ** فألقي إليها ثورة نفسي
و أشار الأديب الهادي العثماني على دعوة الشابي للثورة والحرية موضحا اللغة التي استعملها الشاعر التونسي: "لقد تغنى الشابي بالحرية في لغة رائعة فأبدع أيما إبداع، وثار ثورة صادقة حركت السواكن وأيقظت الشعوب النائمة وحفزت الهمم في مختلف ربوع العالم العربي . إنها الصرخة التي زلزلت سكون الليل لينجلي الظلام الداجي عن إشراق شمس الحرية تضيء سبيل التائهين وتجلّي الدجى من كهوف معتمة تسكنها العناكب، وتلك هي مظاهر التجديد التي اتسم بها الشابي فكان داعيا من دعاة الحق والفضيلة ومبشّرا بالتحرر حتى قال فيه الشاعر مصطفى خريّف:
.. وشعرك باق نابض فتدفق ** له في فم الدنيا عتاء وترديد
له من شغوف العبقرية حله ** منمّقة فيها ابتكار وتجديــــد
الشابي كان ملهم الشعراء لذلك فقد بيّن العثماني قائلا: "لقد كان الشابي ولا يزال ملهم الشعراء من بعده ومرجعهم، ومعينا ينهلون منهم شرابهم ولا يرتوون.
قال الشاعر أحمد المختار الهادي:
.. ونبضة شعرك لحظة عمقك
منها التجليّ، وفيها التـــــداوي
وكنت الذي وسّع الكون لما عبرت حدود المحال
وفأسك يهوي على كل جذع بأرض الشرور استطال
ترى ما الذي قد يقول الذين تمنوا لك الموت لما أردت الحياة
و كنت النبيّ
و كنت الذي أطلع الشمس فوق أديم بلادي
و كنت الأبيّ
من أجل الثورة كتب الشابي قصائده فكانت ثورته ثورتين ولذلك فقد أوضح العثماني :" لقد كتب الشابي أروع قصائده في الثورة وللثورة، فكان الشاعر الثائر، وكانت ثورته ثورتين:
1- ثورة متمردة جانحة صارخة مدويّة، ثورة على الظلم والجهل والإستعمار ومظاهر الشعوذة المشوّهة للدين . هذه الثورة ضمنها جزءا من شعره من خلال القصائد التي انتهجت منهج الخطاب الموجه إلى الآخر يدعوه فيها :" إلى النور فالنور عذب جميل ** إلى النور فالنور ظل الإله"، وتمثلها القصائد ذات الحكمة والنقد ومنها "إرادة الحياة" و"للتاريخ" و"إلى الشعب" و"النبي المجهول" و"فلسفة الثعبان المقدس" و"الدنيا الميتة".. وغيرها من قصائد الغضب .
2- ثورة هادئة متأملة متألمة وتمثلها القصائد الوجدانية ونصوصه ذات الصبغة العاطفية والإجتماعية وهي التي تحدث فيها عن نفسه، وعن آلام الحياة، وآمالها . وقد توخّى فيها منحى تجديديا فجاءت في لون آخر للثورة، وهي الثورة على القديم من الأدب، فجاءت بنفس تجديدي خاصة على مستوى الشكل والمتن اللغوي حيث استعمل الشاعر قاموسا جديدا في توظيف الكلمة العربية ولكن أيضا على مستوى المحتوى وذلك بصياغة المعاني المبتكرة في إيقاع موسيقي تحرر فيه جزئيا من قيود البحور الشعرية القديمة فكان في ذلك مجددا، بل ثائرا لأن كل تجديد ثورة على القديم، وقد خرج في هذا النمط من شعره عن روتينية القديم وجموده، ونحت هياكل جديدة للقول الشعري بكثير من المجازات والكنايات والإستعارة المركبة .. ولعل مما هيّأ للشابي أسباب الثورة فجعله شاعرا ينشد الحرية وينشدها متنبئا بحدوث تحولات كبرى ما أتاحته له المرحلة من مواكبته لبروز مدرسة تجديدية آنذاك، هي المدرسة الرومانسية، وما بثته جماعة الرابطة القلمية من بوادر الوعي لدى الشعوب فبزغت اشراقات فجر جديد توالدت فيه الأفكار الثورية ونبذ الجمود والدوغمائية، ورفض البدع والخرافات .. إلى جانب كل ذلك فإن المرحلة العمرية القصيرة التي عاشها أبو القاسم الشابي في سنوات شبيبته الخاطفة، والتي قال فيها هذا الكم الهائل من الشعر على قلة عدد السنوات التي منحته إياها الحياة ولم يمهله الموت طويلا . هذه المرحلة إذا كان لها الأثر الكبير في اتسام قصائده بالثورية طلبا للحرية فالشباب هو الحقل الملائم لظهور الثورة والتمرد حيث الخصوبة والمناخات المناسبة.."
من جانبها بيّنت الكاتبة والناقدة المغربية حورية الخمليشي أنّ " بزوغ عهد الحرية أعاد الشعراء إلى الواجهة وفي تونس مَهْد الثورة العربية علت حناجر شباب الثورة بقصيدة الشابي، ومنها إلى كل البلدان العربية الساعية بحقها إلى الحرية وصوت الكرامة الإنسانية."
و أضافت: "وقد آمن هؤلاء الشباب إيمان الشابي العميق بقدرة الشعر في تحقيق إرادته فكانت قصيدته "إرادة الحياة" التي عبّر بها عن أنّ الجراح الإنسانية للأمة العربية أقوى من السلاح ومن الموت أيام الانتفاضة. لقد لبّى الشباب نداء القصيدة ليُثبتوا للعالم بأنهم شعب يرفض العيش بين الحفر ولا يخاف صعود الجبال ولأن الشعر لا يخاف سطوة الطغاة فقد حملت الأمة هذه الجراح لتنزف بها قلوب صانعيها."
و عن قصيدة "إرادة الحياة" قالت الخمليشي :" هذه القصيدة الرائعة بعثت في الأمة العربية عشقاً أبدياً لرسالة الشعر بل وأرغمتنا على البكاء والفرح الطفولي المنبثق من رسالة الشعر نفسه الذي غرس فينا معنى القيم، وهي قيم إذا خلت منها القصيدة تصبح مجرّد ألفاظ منظومة بلا معنى ولا حياة."
ويخلص الأديب والشاعر التونسي الهادي العثماني إلى أنّ: "الشابي كان شاعرا ثائرا بكل المقاييس رغم أنه خريج المؤسسة المحافظة التي ينيخ عليها التيار الرجعي التقليدي ولكن تفتحه على الثقافات الغربية من خلال ما وصله منها مترجما وتواصله مع المدرسة المهجرية وتأثره بآدابها وفكرها وخاصة جبران خليل جبران . كل ذلك قد أتاح له فرصة الجمع بين التجديد الأدبي والثورة على الجمود والتقليد فكان مبشرا بفكر تنويري لا يزال يتبوأ فيه المكانة المعتبرة ل ذلك قد أتاح له فرصة الجمع بين التجديد الأدبي والثورة على الجمود والتقليد فكان مبشرا بفكر تنويري لا يزال يتبوأ فيه المكانة المعتبرة إلى يومنا هذا.. رحم الله أبا القاسم الشابي.. لقد كان شاعرا وكان ثائرا.."