- يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
- رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
- نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577
متحف الشيوعية في براغ..شاهد على تغير التاريخ!
اذا أردت البحث عن شيء غريب وغير مألوف في العاصمة التشيكية براغ ، فعليك بزيارة المتحف الشيوعي الذي يقع في قلب المدينة القديمة بالقرب من ساحة 'فاتسلاف' الشهيرة، حيث كانت العاصمة التشيكية هي إحدى أهم عواصم دول الستار الحديدي الذي يدور في فلك الاتحاد السوفييتي السابق في أوج الحقبة الشيوعية السابقة، لكن لم يستمر الحال هكذ ، فقد طالت الثورة الشعبية في عام 1989 تشيكوسلوفاكيا وإنفك عقدها هي الأخرى إسوة بباقي الدول الشيوعية السابقة .
وعلي الفور راحت تتخلص من ذلك الإرث الشيوعي الثقيل وأصبحت تبدو لزائريها الان دولة غير الدولة ،فدخلت المجموعة الأوروبية عام 2004 وأصبحت عضواً في حلف الناتو عام 1999 وتغيرت شوارعها وأصبح بها الكثير من المتاجر والمطاعم والبنوك التي ترمز الى الرأسمالية وراحت على إثر ذلك معالم الشيوعية تختفي رويداً رويدا، الا أن زيارة المتحف الشيوعي تبقى من الأهمية بمكان، لأنها تذّكر بحقبة تاريخية هامة في التاريخ الدولي الحديث استمرت من عام 1948 الى سقوط الشيوعية في عام 1989 .
ماكدونالدز على ابواب المتحف
نصعد درجات سلم المتحف متجهين صوب باب الدخول ، وما أن ندلف الى الداخل حتى تستقبلنا تماثيل أساطين وأعلام الشيوعية مثل لينين وستالين وغيرهما وتبدو هنا المفارقة المثيرة ،اننا في نفس اللحظة التي تصافح فيها أعيننا تلك التماثيل المخيفة نجد أن خلفنا على الجهة المقابلة من الشارع يقع أحد رموز الرأسمالية وهو مطعم 'ما كدونالدز' الشهير الذي يمكن رؤيته من ذلك الموقع بسهولة، على الفور يعيش الإنسان لحظات بين صورتين متناقضتين ونظامين مختلفين سقط أحدهما وبقي الآخر مستمراً، غير أن هذه التماثيل المسكينة تبقى عبرة للنظام الذي سقط والتي كانت يوماً ما شامخة في الميادين والأبنية الحكومية الهامة قبل أن تسقط وتختفي الى ان ظهرت من جديد رهينة في هذا المتحف المثير والذي لا تتوقف فيه الإثارة على الجيل الجديد الذي لم يواكب العصر الشيوعي بل إن نفس الإثارة تبقي عند الجيل القديم الذي كان شاهداً يوماً ما على تلك الحقبة.
رغم أن قلب العاصمة براغ به الكثير من المباني الأثرية والأماكن السياحية الهامة، إلا أن المتحف الشيوعي يبقى لديه بريق خاص فهو المكان الوحيد الشاهد على زوال حقبة لم تعد موجودة ـ إختفت بكل معالمها وصناعتها لذلك فإن رؤية أيٍ من تلك التماثيل أو الأدوات القديمة يجعلك تقف على تاريخ الشيوعية في تلك المنطقة بكل تفاصيلها.
بعد شراء بطاقات الدخول المرتفعة الثمن وبعد المرور من البهو الذي تنتصب فيه التماثيل نبدأ في دخول الحجرات الأخرى حيث أنها متداخلة وأن كل واحدة منها تحكي جزءا من التاريخ الشيوعي في تشيكيا الحالية أوتشيكوسلوفاكيا السابقة .في الحجرة الاولى نرى منتجات الصناعة التشيكية الشيوعية مثل الدراجات والدراجات البخارية وعدد من الأدوات الزراعية وصور عديدة من صور الدعاية أو 'البروباغندا' الشيوعية في ذلك لعصر والتي كانت تشتهر بها تلك الدول في ذلك الوقت، وهي تظهر الى أي مدى كانت الصناعات الشيوعية في تلك الآونة متخلفة عن نظيرتها الغربية بكثير.
حجرة اخرى نرى فيها المنتجات الغذائية مثل المعلبات التي كانت تباع في تلك الآوقات وكذلك المشروبات المشابهة لمشروب الكوكاكولا الذي لم يكن مسموحاً به في أثناء الحكم الشيوعي وقبل أن نهم بدخول حجرة اخرى نلقي نظرة على ماكينة 'الكاشير' القديمة، التي كنا نراها في بعض متاجرنا العربية.
البوليس السري في المتحف
في المتحف أيضاً قسم لآدوات البوليس السري الذي كان له دور كبير في العصر الشيوعي، إضافة الى عينة من ملابس الشرطة وشرائط وأفلام تسجيلية تعرض بعض حقائق الشيوعية، على سبيل المثال أًعدم في تشيكوسلوفاكيا في عام 1989 وحده 178 مسجونا، وتشير سجلات السجون الى أنه كان هناك 257000 مسجون سياسي و 200000 ألف جاسوس كما أنه كان قد تم إقالة وطرد 500 ألف موظف من الحزب الشيوعي في حركة التطهير التي أعقبت ربيع براغ عام 1968.
إن فكرة تأسيس المتحف ترجع الى رجل الأعمال الأمريكي 'جلين سبيكر' الذي درس العلوم السياسية وتخصص في السياسة الخارجية الروسية قبل أن يذهب الى براغ قبل 10 سنوات ليقيم هناك ويؤسس هذا المتحف . لقد إستغرق تجهيزه عدة أعوام ظل فيها سبيكر يجمع المقتنيات التي كان يشتريها في الغالب مقابل المال، الى ان أصبح المتحف حقيقة واقعة .
المتحف بصفة عامة يمكن تقسيمه الى ثلاث حقب يحكيها عبر ردهاته ومقتنياته وهي حقبة الحلم بالتخلص من الشيوعية وحقبة الحقيقة ثم حقبة العمل التي تلي سقوط الأيديولوجية وهذا يجعل المتحف ليس فقط متحفا لعرض بعض المقتنيات بل معرض تثقيفي وتعليمي للحقبة الشيوعية ، حيث أنك تستطيع أن تلتحق بإحدى الغرف التي تعرض أفلام التاريخ الشيوعي، حيث نشاهد إعلان قيام جمهورية تشيكوسلوفاكيا كاتحاد بين التشيك وسلوفاكيا عام 1918.ثم يعرج بك تاريخ تلك الدولة الى الوقت الذي تزايد فيه تهديد الحكومة النازية آنذاك في المانيا لإجبار تشيكوسلوفاكيا عام 1938 على التنازل لألمانيا عن منطقة السوديت المتنازع عليها.ثم نستطيع أن نرى تلك الحقبة التي غزت فيها القوات الألمانية تشيكوسلوفاكيا قبل الحرب العالمية الثانية وإعلان قيام حكومة وصاية التشيك ومورافيا بعد انفصال سلوفاكيا بتحريض أيضاً من المانيا، ثم ننتقل الى تحرير تشيكوسلوفاكيا من النازي عام 1945 على يد القوات الروسية ومن ثم إعادة تشكيل جمهورية تشيكوسلوفاكيا مرة اخرى وقبل أن يعاود التاريخ كتابة سطوره بنفس الطريقة عن هذه البلاد ولكن بشكل مختلف حيث انفصلت مرة اخرى سلوفاكيا عام 1992 ولكن بطريقة سلمية حيث أطاحت الثورة الشعبية بالحكومة التشيكية وأُعلن قيام جمهورية التشيك عام 1993 واختيرفاتسلاف هافل أول رئيس لها وأصبحت جمهورية التشيك عام 1999 عضواً بحلف (الناتو) وعام 2004 بالاتحاد الاوروبي.
ربيع براغ
لا يمكن الانتهاء من زيارة المتحف دون ان نرى فيلماً قصيراً عن ربيع براغ عام 1968 أشهر حدث مر على البلاد إبان فترة الحكم الشيوعي ، فهو يذّكر جيداً بالتجربة التشيكية الشهيرة نحو الديمقراطية والتي امتدت من 5 يناير عام 1968 عندما بدأ ألكسندر دوبتشيك بعد تسلمه السلطة كأمين عام للحزب الشيوعي إصلاحاته الديمقراطية التي لم تستمر طويلاً حيث سحقت الدبابات الروسية تجربته التي لازال التشيك يفتخرون بها ويعتبرونها حدثاً ثقافيا ً وفكريا، بل ايقونة من ايقونات جيل الستينيات والسبعينيات التحرّري في أوروبا، ومن المعروف أن ذلك الحدث قد تحول الى حدث إبداعي على نطاق أوروبا كلها .
قد تبدو المفارقة الكبرى هنا قبل أن تهم بمغادرة براغ عائداً عندما يهمس في أذنك مترجم الرحلة وهو يقول لك إن آخر الإحصائيات التي صدرت هنا تقول ان واحدا من كل اثنين لايزال لديه اليقين بأن الحقبة الشيوعية هي الأفضل.