الشريط الاخباري
- يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
- رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
- نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577
رحلة الخروف من المنشأ الى المنسف ... حينما تربح اللحمة ضعف سعرها!
اخيرا اعترفت الحكومة بان شركة (حجازي وغوشه) تهيمن على سوق اللحوم الحمراء من دون منافسة حقيقية ... سيكون لهذا الاعتراف وان جاء متأخرا, دور فعال في حملات مقاطعة لاحقة, فاعتراف الحكومة المتأخر هذا ضخ دماء جديدة الى سلاح المقاطعة, وقلب نتيجة اسبوع المقاطعة من السالب الى الموجب, وشد من أزر جمعية حماية المستهلك, التي وجدت نفسها في اليومين الاخيرين من اسبوع المقاطعة معلقة في الفراغ حسب وصف احد اعضائها, فرغم ان شريحة واسعة من المواطنين استجابت لدعوات مقاطعة اللحوم الحمراء, الا ان اسعار اللحوم ارتفعت بدلا من ان تنخفض, ما وضع سلاح المقاطعة في موقف حرج, ووضع الجمعية ذاتها في الموقف نفسه كذلك, رغم ان تخفيض اسعار اللحوم الحمراء يعتبر هدفا واحدا من عدة اهداف وضعتها الجمعية, حينما شهرت السلاح وفقا لنائب رئيسها د. عبدالفتاح الكيلاني.
اعتراف الحكومة جاء مقتضبا من دون تفاصيل, فباستثناء ما تحدث عنه وزير الصناعة والتجارة م. عامر الحديدي يوم الاربعاء الماضي في مؤتمر صحافي بخصوص امتلاك شركة (حجازي وغوشه) امكانيات كبيرة, ما جعلها تحتكر اسواق اللحوم الحمراء المحلية والاقليمية, فان الوزير لم يتحدث عن الوسائل التي اتبعتها الشركة لاحكام سيطرتها على الاسواق, وعن القفزات المتتالية في اسعار اللحوم الحمراء خلال السنوات الماضية, وعن مقدار المراكمة في ثروة اصحاب هذه الشركة جراء احتكارها للاسواق.
ما قاله الحديدي يشكل فرصة مواتية لاعادة الحكومة النظر في مجمل سياساتها المتبعة في هذا السياق. فوفقا لتاجر لحوم حمراء فضل عدم كشف اسمه استطاع احد التجار العام الماضي من استثمار القرار الحكومي الخاص باستيراد عشرات آلاف الخراف من سورية لصالح المؤسسة الاستهلاكية المدنية لضبط اسعار اللحوم في الاسواق, وذلك بعد إحالة عطاء التوريد على التاجر, الذي قام باستيراد الخراف من سورية, وخزنها في مزارعه المنتشرة داخل المملكة, وبدلا من توريده الخراف السورية الى المؤسسة, قام بشراء كل رؤوس الخراف البلدية المعروضة في اسواق الحلال, ووردها الى المؤسسة على اعتبار انها مستوردة, وبعد انتهاء المؤسسة من بيع الكمية طرح التاجر كميات الخراف السورية في الاسواق بعد ذبحها في المسالخ على اساس انها بلدية بأسعار حددها, وبذلك تمكن من احكام سيطرته على سوق اللحوم الحمراء المذبوحة داخل المسلخ, البلدية منها والمستوردة على السواء.
ارباح 100%
في محاولة جادة للقبض على الحلقة المركزية في عمليات الاتجار باللحوم الحمراء, حاول احد تجار التجزئة الغوص في تفاصيل استيراد رؤوس الخراف الحية, ليكتشف ان الاتجار بها يحقق ارباحا قد تصل الى 100%, فحسب التاجر نفسه يباع الكيلو غرام الواحد من اللحمة في المسلخ ب¯ 5.25 دينار, وغالبا ما يكون معدل وزن الخروف بعد سلخه والتخلص من احشائه بحدود 25 كغم, وبذلك فان لحم الخروف يباع ب¯ 126 دينارا, يضاف لها ثمن الجلد والرأس والمعلاق والاحشاء وخلافه, التي تقدر ب¯ 15 دينارا, وبذلك فان التجار يبيعون الخروف الاسترالي بحوالي 140 دينارا.
يعتقد التاجر ذاته ان تكلفة الخروف الاسترالي على الشركة لا تتجاوز في الحدود القصوى عن 70 دينارا, فحسبه يبلغ سعر الخروف من المصدر بحدود 50 دولارا امريكيا, يضاف الى هذا المبلغ بحدود 20 دولارا نفقات شحن وتخليص وخلافه, فيصل الخروف الى منافذ الجمارك الاردنية بتكلفة 70 دولارا او 50 دينارا, يضاف لها مبلغ 5.5 دينار مقطوعية الجمارك والضرائب على كل رأس, ومبلغ 12.60 دينار للمسلخ مقابل المعاينة والذبح والتبريد والختم, ويضاف 5 دنانير تقريبا نفقات اضافية لاطعام وايواء الخروف, ونقله الى المسلخ, وبذلك فان التكلفة تصبح تقريبا بحدود 70 دينارا.
يوميات المقاطعة
بالعودة الى اسبوع مقاطعة اللحوم الحمراء, يستطيع تاجر اللحوم بالتجزئة محمود الحلبي تقديم وصف لما جرى خلال الاسبوع, فيقول ان اليوم الاول شهد انخفاضا في الاسعار, وتراجعا عاما في المبيعات, ولكن ما لفت النظر ان المسلخ لم يشهد عمليات ذبح خراف, واقتصرت السوق على اللحوم الطازجة المستوردة من السودان ودبي, والسوق في الايام العادية تستهلك يوميا ما يستورده اربعة تجار من اللحوم الحمراء الطازجة المستوردة, فكل يوم تصل ثلاث طائرات من دبي الى عمان تحمل خرافا استرالية مذبوحة, وطائرة رابعة من السودان, وغالبا ما تصل كميات اللحوم المستوردة يوميا الى ثلاثين طنا.
يقول الحلبي ان عزوف بعض التجار عن ذبح الخراف في المسلخ اول ايام المقاطعة, دفع تجاراً آخرين لاستيراد كميات كبيرة من اللحوم من السودان وصلت في اليوم الثاني للمقاطعة على متن اربع طائرات, ولكن تبين ان كمية من هذه اللحوم تصل الى نصف الكمية المستوردة تالفة, فقام التجار باتلافها, وبذلك اصبحت السوق فارغة من اللحوم, ما دفع التجار في اليوم الثالث الى رفع اسعار اللحوم المستوردة من دبي من 4.75 دينارا للكيلو غرام الواحد الى 5.25 دينار وفي اليوم الرابع ظل الوضع كما هو, فالتجار لم يذبحوا في المسلخ الا كميات قليلة لا تتجاوز 10% من الكمية المعتادة, ويفسر احد العاملين في شركة متخصصة باللحوم ذلك بقوله ان التجار لا يعدمون الوسيلة للمحافظة على الاسعار المرتفعة, فهم قادرون على التخزين والتصدير الى الاسواق المجاورة, وهذا ما حدث خلال اسبوع المقاطعة, فنسبة مرتفعة من الكميات التي كانت جاهزة للسوق الاردنية صُدرت الى اسواق مجاورة, ما جعل سلاح المقاطعة وكأنه لم يكن.
بمبادرة قد يعتبرها البعض طيبة, قامت امس احدى الشركات بذبح 400 رأس خروف, باعتها لشركة اخرى, كما قامت الشركة الاخرى بذبح مئتي رأس خروف, وبذلك فان ما مجموعه 600 رأس طرحت في السوق امس, ما يزيد من الارتباك فيها فحاجتها من الخراف المذبوحة في مسلخ عمان وفقا للكيلاني بحدود 3 آلاف رأس, وهذا يجعل التجار قادرين على التحكم بالسعر.
حماية المستهلك
الكيلاني يرى ان اسبوع المقاطعة حقق نتائج ايجابية, رغم ان الاسعار ارتفعت, فحسبه وصلت استجابة المواطنين للمقاطعة في بعض المناطق الريفية الى 100%, وتفاوتت نسبة الاستجابة من منطقة الى اخرى, ومن محافظة الى اخرى, وبشكل عام فان المواطنين خارج العاصمة عمان كانوا اكثر استعدادا للمقاطعة من غيرهم, وكان الفقراء وما تبقى من الطبقة الوسطى كذلك اكثر استجابة من الشرائح الغنية.
يقول الكيلاني ان الامور بنتائجها, وما دامت الحكومة تحركت واعتبرت شركة حجازي وغوشة جهة محتكرة لسوق اللحوم الحمراء, فان سلاح المقاطعة قد اثمر, وبشكل عام فان المواطن الاردني وفقا للكيلاني كان قد قاطع اللحوم الحمراء بهدوء منذ بداية العام الحالي من دون ان تعلن جمعية المستهلك ذلك, فوفقا للاحصائيات الرسمية انخفضت ذبحيات مسلخ عمان خلال الشهور الستة الاولى من هذا العام 62% بالمقارنة مع العام الماضي, في مقابل ذلك ارتفعت المستوردات من اللحوم الطازجة, ففي الستة شهور الاولى استورد التجار 8.200 طن, في حين استوردوا العام الماضي بكامله 8.600 طن, وهذا وفقا للكيلاني يشير الى تحول المستهلك من اللحوم المذبوحة محليا - بلدية واسترالية - الى اللحوم الطازجة المستوردة.
المنسف البلدي في خطر
لم يقل الكيلاني ان المنسف البلدي في خطر, ولكنه اشار الى ذلك بشكل غير مقصود, فحسبه انخفض معدل استهلاك المواطن الاردني من اللحوم الحمراء منذ الغاء وزارة التموين من 20 كيلو غرام في العام الى ستة كيلوات فقط, والمعدل العالمي تقريبا يتجاوز ثلاثة اضعاف المعدل المحلي اليوم, ويعزو الكيلاني هذا الانخفاض الى تغول التجار, وعدم قدرة الحكومة على ضبط الاسعار, ما دفع المواطن الاردني الى تغيير سلوكياته في الاستهلاك رويدا رويدا.
محبو المنسف البلدي لن يفرحوا كثيرا, حينما يعلمون ان اكثر من 80% من المناسف التي يتناولونها في المناسبات الخاصة والعامة لا تمت بصلة من بعيد او قريب للخراف والجديان المحلية, فحسب الكيلاني لم تكن اللحوم البلدية تغطي في السنوات السابقة سوى 25% من حاجة السوق, وانحدرت الآن النسبة بعد ان تراجع تعداد المواشي من 6 ملايين رأس الى 3.6 مليون, لذا فان الحديث عن منسف بلدي لن يعود قريبا جزءا من ثقافة الاردنيين السائدة.
الحلبي يؤكد ما وصل اليه الكيلاني, ويقول ان عددا من زبائنه, ممن اعتادوا على شراء اللحوم البلدية لتقديم المناسف البلدية لضيوفهم, عزفوا عن ذلك واخذوا يطبخون اللحوم الطازجة المستوردة, يضيفون اليها كميات من الليّة البلدية يشترونها, ويضعون رؤوس اغنام بلدية على المنسف للايهام, وتأكيد ان المنسف بلدي.
ليست النهاية
الحكومة ستتدخل في اسواق اللحوم الحمراء كما جاء على لسان وزير الصناعة والتجارة, ولكن هل هي قادرة على الاستمرار في نفس الدرب? خاصة ان ممثلي القطاع التجاري ممثلون داخل الحكومة وفقا للكيلاني, او ان اعضاء الحكومة قد يتعرضون لضغوطات تفوق قدرة بعضهم على الاحتمال, وقد نجد الحكومة ذاتها تجذف عكس التيار, لا سيما ان سياق التحولات التي طرأت خلال العقد الاخير, جعل ديناميات اتخاذ القرارات بأيادي جهات غير حكومية, وهذه الايادي لا زالت تتحدث عن آليات السوق حتى بعد ان تراجعت الولايات المتحدة الامريكية ودول رأسمالية اخرى عن الغلو في الليبرالية الاقتصادية واخذت تتدخل في ميكانزمات الاسواق.
حملة مقاطعة اللحوم الحمراء ليست جزيرة معزولة عن الواقع المعاش, ومع انها ذات ابعاد متعددة وفقا للكيلاني, ابرزها اكساب المواطنين ثقافة المقاطعة عبر التجربة, لتصبح هذه الثقافة مع الوقت ميزان المواطن في الاستهلاك, الا ان هذه الحملة كشفت عن قدرة القطاع التجاري على تجاوز القرارات الحكومية, وعدم اهتمامه كثيرا بحراك منظمات المجتمع المدني, الامر الذي يستدعي مزيدا من النشاط لجمعية حماية المستهلك, ومزيدا من التشدد الحكومي حيال التجار الذين يمصون دماء الناس, والمستقبل كفيل بتحقيق نتائج ايجابية وفقا للكيلاني الذي يقول نراهن على عدالة قضيتنا
العرب اليوم
الأكثر قراءة
مواطن أردني23-08-2009
أين الحكومه من الإحتكار الواقع من شركة حجازي وغوشه على هذا القطاع .
لماذا لا يتم تنظيم إستيراد اللحوم من قبل الحكومه وبيعه للمواطنيين باسعار تتضمن ربحاً مع