ثمة حاجة متنامية في الأردن إلى وجود المؤسسات المصرفية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، حيث لوحظ في السنوات الأخيرة الطلب المتزايد على الأدوات المصرفية الإسلامية عالميا لكفاءتها وملاءمتها لاحتياجات شريحة واسعة من الأفراد والشركات بشكل ينافس الأدوات المصرفية التجارية التقليدية، وبالتالي فإن توفير أدوات جديدة متوافقة مع أحكام الشريعة سيلاقي إقبالا واسعا. ما دفع بالبنوك التجارية إلى فتح نوافذ مصرفية إسلامية، فيما اتجهت بنوك أخرى إلى إنشاء مصارف إسلامية في السوق الأردنية التي هي من أوائل الأسواق التي بدأت بتلبية هذه المتطلبات.ويوجد في المملكة الآن مصرفان إسلاميان عاملان هما البنك الإسلامي الأردني الذي أنشئ في أواخر السبعينات من القرن الماضي والبنك العربي الإسلامي الدولي والذي أنشئ منذ عقد ونيف من الزمن، وهناك بنك جديد يستعد للدخول إلى السوق وهو بنك الأردن دبي الإسلامي الذي حصل مؤخراً على ترخيص مبدئي من البنك المركزي وهو خلف لبنك الإنماء الصناعي، ومن المتوقع دخول مصرف أو مصرفين إسلاميين آخرين جديدين في المستقبل المنظور. ثم شهد الأردن في السنوات الأخيرة ظهور جيل جديد من المؤسسات المالية الإسلامية، منها الشركة الأولى للتمويل، وشركة الإسراء للاستثمار والتمويل الإسلامي وهي لا تخضع لمظلة البنك المركزي الأردني؛ بسبب عدم رغبة البنك المركزي في الوقت الحاضر منح تراخيص لإنشاء بنوك جديدة.
ورغم أن حصة المصرفين القائمين من الودائع والتسهيلات لا تتجاوز في أحسن الظروف ما نسبته 8% من حجم السوق المصرفي فإن الدراسات والأرقام تؤكد على وجود سوق واعدة للمصارف الإسلامية في الأردن، حيث يتزايد عدد عملاء هذه المصارف باضطراد في ظل الإقبال المشجع على الخدمات التي تقدمها.وبدأت البنوك الأردنية في طرح منتج مصرفي متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية وذلك استجابة لطلبات التمويل من شركات القطاع الخاص خوفا من توجهها إلى بنوك أخرى تتعامل في النظام المصرفي الإسلامي.
ولا شك إن تنمية الصناعة المصرفية الإسلامية في الأردن بحاجة إلى جهود مشتركة من قبل الجهات الرقابية ومن جانب المصارف ذاتها، فعلى الجانب الأول هناك حاجة ماسة لتطوير التشريعات التي تنظم عمل هذه المصارف، فعلى سبيل المثال رغم وجود بنوك إسلامية منذ أواخر السبعينات من القرن الماضي فإن المرة الأولى التي اصدر فيها البنك المركزي تشريعاً خاصاً في البنوك الإسلامية كان في عام 2000 حيث تضمن قانون البنوك فصلاً عن البنوك الإسلامية.
قدرة المصارف الإسلامية
وقال رئيس مجلس إدارة البنك العربي الإسلامي الدكتور تيسير الصمادي أن الأزمة المالية العالمية أثبتت قدرة المصارف الإسلامية على استيعاب الصدمات وبينت أنها كانت اقل المتأثرين بانعكاساتها بفضل تميز هذه المصارف بالانضباط في إدارة الأصول المالية وقيامها بتمويل العمليات الحقيقية وابتعادها عن العمليات الورقية التي تقوم على الروافع المالية والمضاربات. وأضاف أن الأزمة المالية العالمية سلطت الأضواء على الصيرفة الإسلامية وجعلت منها ظاهرة عالمية وتنادى الجميع بعيداً عن الدوافع العقائدية ، إلى الاستفادة من الميزات التي تقدمها هذه الصيرفة ، حيث كلفت الإدارة الأمريكية فريقاً من الباحثين في البنك الاحتياطي الفدرالي ووزارة الخزانة الأميركية لدراسة صناعة الصيرفة الإسلامية للخروج بتوصيات حول كيفية الاستفادة من ايجابياتها لمعالجة الأزمة الحالية وتجنب وقوع مثل هذه الأزمات مستقبلاً، وأقرت اليابان مؤخراً تشريعات تمنح المصارف اليابانية تراخيص لافتتاح فروع أو نوافذ للتمويل الإسلامي، بل إن بعض الجامعات اليابانية، ومنها جامعة كيوتو، بدأت العمل على إنشاء أقسام متخصصة في المصارف الإسلامية. وفي فرنسا دعت مؤسسات تشريعية إلى ضم النظام المصرفي الإسلامي إلى النظام المصرفي الفرنسي مشيرة إلى أن النظام الذي يعتمد على قواعد مستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية يعود بالفائدة على الجميع سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين، وفعلاً فقد اقر البرلمان الفرنسي تشريعات تسمح بفتح نوافذ إسلامية لدى المصارف هناك بعد أن كان ذلك ممنوعاً، وفوق هذا كله فقد دعت الصحيفة الناطقة باسم الفاتيكان البنوك التقليدية إلى الاستفادة من ممارسات.
وقال "نطمح ونطالب البنك المركزي بإصدار قانون خاص ينظم عمل هذه البنوك التي بدأ عددها بالتزايد بحيث يكون هنالك قانون للبنوك الإسلامية وقانون للبنوك التقليدية ، إضافة إلى ذلك فإن القدرات المؤسسية لدى البنك المركزي في مجال الرقابة على المصارف الإسلامية لا زالت دون مستوى الطموح".وأكد إن الحاجة باتت ماسة لإنشاء دائرة متخصصة في هذا المجال لدى البنك المركزي وليس هذا فحسب بل نتطلع إلى اليوم الذي يقوم فيه البنك المركزي بتشكيل هيئة للرقابة الشرعية على المستوى الوطني للتعاون مع هيئات الرقابة الشرعية لدى البنوك الإسلامية، وهذه المطالب ليست تعجيزية بل تنطبق مع أفضل الممارسات الدولية في هذا الإطار.
معدلات النمو متفوقة
وأكد مفلح عقل رئيس مجلس الإدارة السابق لبنك الإنماء الصناعي الذي تحول إلى مصرف إسلامي تحت مسمى "بنك الأردن - دبي الإسلامي", أن معدلات النمو التي تتحقق في المصارف الإسلامية تفوق البنوك التقليدية، وأن السوق الأردنية في حاجة إلى وجود مصارف إسلامية أكثر من حاجتها إلى بنوك تقليدية، مشيراً إلى أن هناك عددا كبيرا من المواطنين الراغبين في إجراء تعاملاتهم المالية وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، وأنهم في تزايد مستمر.وأشار عقل إلى أن دخول "بنك الأردن - دبي الإسلامي" يأتي بعد مضي عشرة أعوام على تأسيس آخر مصرف إسلامي في الأردن، لافتاً إلى أن تداعيات الأزمة المالية العالمية ألقت الضوء على البنوك الإسلامية باعتبارها أكثر قدرة على تجاوز الأزمات.
وأضاف عقل إن المصرفية الإسلامية تنتشر في العالم بشكل واسع ومؤثر، وأصبح عديد من الدول الأجنبية تهتم بهذا النشاط وتسن القوانين الناظمة له. وكان البنك المركزي الأردني سباقاً في هذا التوجه، حيث أورد فصلاً خاصاً لهذه البنوك عام 2000.
العديد من التحديات
وعلى صعيد متصل، تواجه هذه الصناعة العديد من التحديات، بعضها ناجم عن البيئة التي تعمل في إطارها وبعضها تتحملها المؤسسات المالية الإسلامية نفسها، فعلى الرغم من أن الصناعة المصرفية الإسلامية تعيش الفقه العملي وليس النظري فإنها تعاني من ضعف القدرات المؤسسية في جميع المؤسسات ذات العلاقة وعلى جميع المستويات في المؤسسة الواحدة، إضافة إلى ذلك فإن هذه المصارف تعمل في بيئة شديدة التعقيد ومتعددة العلاقات والتشابكات وسريعة التغير الأمر الذي يستلزم سرعة الاستجابة والمرونة في التعاطي مع أحدث الابتكارات في الصناعة المصرفية في إطار الالتزام بالأحكام الشرعية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأصل في المعاملات هو الإباحة ما لم يرد الدليل على التحريم إما بنص أو بإجماع قاطع،
تعدد الأحكام الشرعية
ومن التحديات الأخرى تعدد الأحكام الشرعية وتشعب الاجتهادات، الأمر الذي يؤدي إلى حالة من الإرباك ويدفع العملاء للشك في حًلّ أو حرمة الخدمات التي تقدمها المصارف والأدوات التي تعتمدها لذلك ، هذا إلى جانب غياب مرجعية إسلامية لتسعير الخدمات التي تقدمها البنوك والاعتماد على مؤشرات دولية أو محلية تعتمدها البنوك التقليدية حسب الدكتور الصمادي.
ومن أبرز التحديات الأخرى محاباة التشريعات المصرفية والضريبية على وجه الخصوص، والأطر التشريعية على وجه العموم ، للبنوك التقليدية على حساب البنوك الإسلامية في الدول التي تسمح بإنشاء مثل هذه البنوك ، علماً بأن بعض الدول ، ومنها دول إسلامية، لا تسمح بإنشاء بنوك إسلامية أما كون التشريعات لا تسمح بذلك أو لتجاوز"إشكالية" وجود بنوك تقليدية وأخرى إسلامية إلا أن بعض هذه الدول بدأت تعيد النظر في هذا التوجه بعد الأزمة المالية العالمية.ومن التحديات التي تواجه الصيرفة الإسلامية أيضا ضحالة سوق رأس المال الإسلامي، الأمر الذي يحرم البنوك الإسلامية من الحصول على مصادر تمويل طويلة الأجل والاعتماد على الودائع بصورة رئيسية، إضافة إلى جعل بعض البنوك الإسلامية وسيلة لنقل الرساميل من الدول التي تعمل فيها إلى الدول الغربية، ويمكن أن يضاف إلى جملة التحديات السابقة توجه العديد من المصارف التقليدية لإنشاء نوافذ إسلامية أو تقديم خدمات إسلامية بصورة غير مباشرة ودون موافقة السلطات الرقابية لمن يرغب من العملاء، وآخر هذه التحديات يتمثل بعدم استفادة البنوك الإسلامية من أدوات السوق المفتوحة لدى البنوك المركزية مثل نافذة الإيداع وشهادات الإيداع.
ويؤكد خبير الشؤون الاقتصادية خالد الزبيدي منذ أن"انفجرت"الأزمة المالية العالمية اتضحت الصورة بان النظام المالي والمصرفي الإسلامي لم ينغمس في هذه الأزمة ومقامراتها، فقد ساهمت القوانين التي تحكم عملياته والمستندة إلى أحكام الشريعة السمحاء في الابتعاد عن شراء الديون والتوريق وإعادة تسنيد الديون وعرضها للتداول أمام المستثمرين، لذلك أعلنت البنوك والشركات المالية الإسلامية مبكرا أنها بخير وان الفرصة أمامها مؤاتية لانطلاقة استثمارية كبيرة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. وأضاف "كانت الأزمة المالية العالمية مفصلا مهما أمام جميع مقدمي الخدمات بخاصة المالية والمنتجات المصرفية، فقد اغتنمت الإدارة العليا فرصة هذه المتغيرات بمحافظ استثمارية وائتمانية نظيفة ووسعت نطاق عملياتها".
وقال الزبيدي "التحدى الكبير أمام وحدات الجهاز المصرفي الأردني تمثل في العمل بفاعلية في ظروف متغيرة جراء الأزمة المالية العالمية وتداعياتها التي طالت الاقتصادات العالمية، لذلك شهدت السوق المصرفية الأردنية لذلك تطبيق سياسات انكماشية أثرت بقوة على مختلف الاقتصادات، وواصلت البنوك التجارية العمل بحذر مبالغ فيه، مع تشدد في منح الائتمان لمختلف الاستخدامات، وواصلت العمل بهياكل فائدة شاهقة على القروض والتسهيلات الائتمانية، وكان لنتائج هذه السياسة تداعيات نلمسها في الاقتصاد الوطني. ايلاف