لواء «الهاشمية» بؤرة للموت البطئ بسبب التلوث

 الا ان تقريرا خطيرا وهاما قد اصدرته دائرة الاحصاءات العامة الاردنية قبل كتابة هذه الاسطر بايام قليلة يربط وبشكل واضح ما بين زيادة الاصابة بالامراض السارية وارتفاع حجم التلوث في المملكة.. مظهرا وبكل وضوح ارتفاع نسبة الغازات المنبعثة المسببة لتلوث الهواء في الاردن ومن اهمها اول اكسيد الكربون وثاني اكسيد الكربون، حيث ارتفع الاول من ٣٩٠ الف طن تقريبا عام ٢٠٠٠ الى ٥٧٠ الف طن تقريبا عام ٢٠٠٨ ، كما ارتفع الثاني في عام ٢٠٠٠ من ١٦ الف طن تقريبا الى حوالي ٢١ الف طن عام ٢٠٠٨ .

 

واوضح التقرير ان الاردن شهد تغيرات في السنوات الخمس الاخيرة من حيث انتشار الامراض السارية. اذ ارتفع عدد حالات الاصابة بمرض التيفوئيد والباراتيفوئيد من ٣٢ اصابة في عام ٢٠٠٣ الى ١٥٥ اصابة في عام ٢٠٠٤ ثم انخفض بعد ذلك الى ١٦ اصابة في عام ٢٠٠٨ ، وبالمقابل ارتفع عدد حالات الاصابة بمرض الديسنتاريا من ٢٥٨ اصابة في عام ٢٠٠٣ الى ١٩٠٢ اصابة في عام ٢٠٠٨ . كما لاحظ ارتفاع حالات الاصابة بالتدرن الرئوي من ١٦٩ اصابة في عام ٢٠٠٣ الى   ١٧٩ في عام ٢٠٠٨.

 

وبجهد استقصائي بحت نضع اليوم ما بين ايديكم مثالا حيا للتلوث البيئي في الاردن ونبحر معكم في زيارة لواء «الهاشمية» الاردنية الذي يبعد عن محافظة الزرقاء مسافة بسيطة بالكيلو مترات ونبحر اميالا غير معدودة عن باقي محافظات العالم المتقدم بما يتعلق بالتلوث البيئي حيث نلحظ ذلك بمجرد دخولك لها مستشعرا بان ثمة غيمة متلبدة تحيط بالمكان تحمل في جعبتها الافا من اطنان المواد الملوثة للبيئة والقاتلة لكل ما هو حي.

 

ان كل ما يدور حول فلك هذا اللواء هو امراض تنتشر في اوساط المكان بسبب التلوث الهائل والزائد بدرجات كبيرة جدا عن الحد المسموح به مما ادى الى انتشار امراض نفسية ورئوية   الامر الذي دفع وزارة البيئة على لسان وزيرها خالد الايراني للتأكد بان التلوث يتركز بمنطقة الهاشمية في محافظة الزرقاء مؤكدا انه ناجم عن مادة الكبريت التي تخرج عن مصفاة البترول التي تقع ضمن حدود مدينة الهاشمية.

 

وعن الاسباب الحقيقية من وراء هذا التلوث الهائل لهذه البلدة انها محاطة ومن جهاتها الاربع بمصفاة البترول الاردنية والمحطة الحرارية الرئيسية لتزويد الكهرباء بالاضافة الى وجود محطة لتنقية الخربة السمراء التي انعدمت كفاءتها بانتظار المحطة الجديدة وعدد من مصانع الحديد والكيماويات التي ما زالت مصرة على عدم وضع البيئة والحفاظ عليها ضمن اولوياتها على الرغم من الارباح المالية الباهظة التي تحققها على مدار الساعة. وجود هذه البلدة في وسط ما ذكر من عوامل تساعد على التلوث البيئي الامر الذي دفع فريق من منظمة الصحة العالمية لاعتبار الهاشمية بؤرة بيئية ساخنة بسبب شدة التلوث الذي تعاني منه.

 

السكان يؤكدون والصحة تنفي على الرغم من تقرير دائرة الاحصاءات العامة حول زيادة انتشار الامراض وربطها في ارتفاع حجم التلوث الا ان وزارة الصحة تنفي ذلك وسط تأكيدات من سكان البلدة الذين يؤكدون بان الرؤية المجردة بالعين خير برهان وان كانت وزارة الصحة لا يوجد عندها دراسات تؤكد انتشار الامراض البىئية فان عدم وجود دراسات لا ينفي اصل المشكلة بل يعلقها، ويدعو الاهالي كافة المسؤولين المهتمين زيارة المنطقة والاطلاع عن كثب على حجم معاناتهم من التلوث الذي اصبح يحيط بهم كما السوار بالمعصم والامراض البيئية التي لا ترأف بكبير ولا ترحم صغير.

 

امراض قاتلة اكد مئات من السكان ان بحوزتهم تقارير طبية موثقة   تشير الى اصابتهم واصابة ابنائهم بامراض الربو اضافة الى الطفح الجلدي الذي يظهر للعيان متشكلا على الاجساد بسبب الانتشار الملفت للبعوض المتولد عن وجود محطة التنقية «الخربة السمراء». كما اكد السيد محمد الزيود انه يحمل تقرير طبي يؤكد اصابته بامراض حساسية الانف والاعين والمتسبب عن زيادة انتشار غاز ثاني اوكسيد الكربون واول اوكسيد الكربون جراء وجود بؤر التلوث البيئي المنتشرة حول حدود البلدة وفي وسطها .

 

وبين الزيود بان الاهالي تحركوا اكثر مرة وعلى اكثر من اتجاه متوازي ولكن الاستجابة الحكومية التي تتذرع بقلة الامكانيات   المالية كانت ضعيفة للغاية مؤكدا بان اعراض الامراض تتفشى بالاهالي في فصل الصيف اكثر مما تظهر في الشتاء حيث يعتبر الصيف بمثابة الكابوس القادم للسكان لما يحمل في جعبته من مآساي حقيقية متمثلة في كثرة الامراض وبالرغم من ذلك لا زالت الحكومة تتجاهل هذا الامر ولا تهتم به على الرغم من النداءات والاستغاثات العديدة التي ارسلت لها والمطالب المتكررة من قبل الاهالي الذين باتوا متيقنين بان بلدتهم منكوبة دون مغيث.

 

احاديث رسمية مدير صحة الزرقاء غسان الفاخوري اكد بان وزارة الصحة لا تملك دراسات دقيقة حول نوعية الامراض المنتشرة في لواء الهاشمية وعلاقة هذه الامراض بالتلوث البيئي الموجود حتما في المنطقة، مشيرا في ذات التصريح بان مجموعة كبيرة من الشكاوي وصلته عن طريق السكان تؤكد على وجود امراض منتشرة بسبب التلوث البيئي حصرا. لكن المواطن علي العموش يفند ما ذهب اليه مدير صحة الزرقاء ويقول بان العديد من الامراض التنفسية والرئوية الحادة منتشرة وبشكل كبير بين الاهالي وان وزارة الصحة لا تتحدث بصراحة عن هذه الامراض التي باتت ظاهرة للعيان. 

 

الملوثات البىئية تكمم الافواه اكد الاهالي بان القائمين على مصادر التلوث البيئي والمتمثلين في ادارة مصفاة البترول والمحطة الحرارية والخربة السمراء وعشرات المصانع تحاول اسكات السكان عن   اثارة القضية برشوتهم غير المباشرة   عن طريق توظيف ابناء المنطقة في الوظائف المتدنية بالاضافة لدعمهم لبعض النشاطات الخاصة بالاندية والجمعيات القائمة على ارض لواء الهاشمية، الامر الذي شكل لهم لوبي يحاول وبكل ما اوتي من قوة حجب الحقيقة عن الرأي العام. آليات غير مجدية للحل ومن جهته قال مدير البيئة في محافظة الزرقاء المهندس خابور ان المديرية كثفت الرقابة على كافة المصانع ومصادر التلوث في لواء الهاشمية من اجل عدم ارتفاع مستوى التلوث فيه سيما وانه يعد من اكثر مناطق   التلوث في الاردن.

 

وحول مصادر التلوث الثلاث بين خابور انه بالنسبة الى محطة تنقية الخربة السمراء انه يجري العمل حاليا على رفع كفاءة المحطة من اجل معالجة الكميات التي تدخل اليها. وحول مصفاة البترول اوضح خابور ان وزارة البيئة طلبت اكثر من مرة من المصفاة بضرورة تركيب وحدة استخلاص الكبريت الا انها لم تلتزم بتركيبها بحجة ارتفاع الكلفة وبين خابور ان المحطة الحرارية سيتم تحويلها الى استخدام الغاز الطبيعي كوقود بدلا من الوقود المستخدم حاليا والذي يسبب انبعاث الغازات الضارة ولكن رئيس بلدية الهاشمية نوه بان المياه العادمة المنبعة من الخربة السمراء ما زالت تؤثر سلبا على المواطنين في حوض سيل الزرقاء والهاشمية مشيرا الى ان وزارة المياه والري مطالبة الاسراع في انجاز المحطة الجديدة لوقف التدهور البيئي.

 

التصحر اكد سكان لواء الهاشمية ان منطقتهم اصبحت تعاني من التصحر حيث انعدمت بها الاشجار المفيدة نتيجة الامطار الحامضية التي تتساقط وبشكل مستمر وان الاشجار التي تنبت بالعادة تكون ثمارها غير صالحة للاستهلاك البشري وانها اصبحت مشهد للتندر حيث تنمو وبطريقة غريبة فالشجرة الواحدة تكون الثمرة فيها اكبر من اخرى وباضعاف في بعض الاحيان. 

 

المصانع والمشكلة الاضافية على الرغم من الثالوث الملوث للبيئة في لواء الهاشمية والمتمثل بالمصفاة والخربة السمراء والمحطة الحرارية يوجد في محيطها عدد كبير من المصانع التي تعمل في مجال تصنيع مواد التنظيف التي تدخل بها الكيماويات ومصانع الحديد وغيرها حيث لا تكاد تلتزم بالشروط الصحية المنبثعة واصبح ذلك ظاهرا للعيان كاضافة غير مقبولة لمصادر التلوث على هذا اللواء حيث بين السكان بان المياه العادمة تنبعث من    هذه المصانع حتى وصلت بيوتهم في بعض الاحيان ناهيك عن الروائح التي تبعث منها والغازات مما اكد بان سبب اصابة الكثير من نصف السكان بامراض الربو والحساسية والامراض العصبية ناجم عن التلوث البيئي الذي اصبح لا يطاق وسط تكتم حكومي كبير متذرعا بقلة الامكانيات المادية حيث اصبحت قصة تلوث مثلث الرعب البيئي «الهاشمية» تشبه كرة النار الذي يتقاذفها المعنيين دون ان ينتزع احد منهم صلاحياته بالحل الذي قد يكون مكلفا على الصعيد المالي ويحتاج الى مجابهة مع ادارات المصانع والمصفاة والخربة والمحطة الحرارية الذين اصبحوا يشكلون خطرا حقيقيا في دفاعهم عن انفسهم ملتفين ببعض المتنفذين بعد ان اصبحوا يحملون ذات وجهات النظر لاسباب لا مجال لتأكيدها. 

 

متفرقات

* مئات التقارير الصحية تؤكد اصابة اعداد من الاهالي بامراض بيئية.

* تعيينات عشوائية في بعض المصانع من اجل اسكات السكان.

* غياب شبه مدروس للرقابة البيئية على المثلث المتسبب بالتلوث البيئي.

* دعم مالي من قبل اصحاب المصانع لاشخاص متنفذين معنيين بالمشكلة.

* تقارير المراكز الصحية في لواء الهاشمية فيما يتعلق بالمراجعين المصابين بامراض جراء التلوث لا توثق بالعادة.

* تضارب واضح ما بين اراء المسؤولين حول القضية.

* المواطنون تحت رحمة دراسات لم تكتمل.

* فريق منظمة الصحة العالمية زار لواء الهاشمية واختاره ليكون بؤرة بيئية ساخنة بسبب شدة التلوث.

* الربو والطفح الجلدي على السكان ظاهر للعيان.

* وزير البيئة خالد الايراني يعترف بالاضرار البيئية على لواء الهاشمية على استحياء.

*الامطار الحامضية تتلف المزوعات وتقضي عليها وتؤكد على زيادة كمية الاحتباس الحراري في الجو.

* الجمعية العلمية الملكية تؤكد على وجود نسب عالية من الغازات السامة في اللواء والتي تنبعث باستمرار في الهواء وتهدد حياة الانسان والحيوان والنبات.

* روائح كريهة وانتشار للقوارض والحشرات في اللواء بشكل ظاهر للعيان.

 

القضية لم تحل والموت البطيئ من نصيب السكان المشكلة لا زالت عالقة وصيحات المواطنين تتعالى وسط صمت حكومي لاذع متذرعا بقلة الامكانيات المالية لحل الاشكالية على الرغم من الارباح الخيالية التي تحققها شركة مصفاة البترول والمحطة الحرارية والمصانع الخاصة يقابله تمسك شديد من قبل اهالي الهاشمية الذين ينتمي معظمهم الى عشائر بني حسن التي تتخذ من هذه الارض منبتا لا يمكن تغييره او العدول عنه لما تشكله قيمة الارض والمكان من اهمية تاريخية ونفسية لا يمكن ان تتزحزح ابدا حيث اشار السكان بان هذه المصانع والشركات هي الضيف غير المرغوب به على اراضيهم المتجذرة منذ التاريخ.