الشريط الاخباري
- يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
- رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
- نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577
تجار ومهربون يسطون بمعاول آخر الليل على خضرة الغابات
في ساعات الليل، وظلامها الدامس، لا تجد أشجار الغابات الحرجية، الممتدة على مسافة 92 ألف دونم في محافظة جرش، من يشهد على واقعة "الاعتداء" عليها، و"استباحة" حرمتها! سكان من مناطق محيطة، أو تجار، يرتكبون فعلتهم بعيدا عن رقابة الطوافين "حراس الغابة"، وربما بـ"التعاون معهم"، كما يتهم البعض.
"الجازور" وماتورات النشر الكاتمة للصوت أدوات تبدأ بالعمل في ليل هذه الغابات لتتم "الجريمة" بصمت وفي وقت قياسي. شجرة سنديان، تزن طنا، لا تحتاج اكثر من نصف ساعة لتغدو "ذبيحة" مقطعة الأوصال قطعا صغيرة، ولتنقل وتهرب "خارج الغابات وخارج حدود المحافظة خلال دقائق"، بحسب عمر، احد سكان بلدة ساكب، المجاورة لإحدى هذه الغابات.
قيمة الغرامة المالية لمخالفة قطع شجرة واحدة قد تصل الى 500 دينار، بحسب القانون، الأمر الذي يدفع عمر للتساؤل: "كيف لمواطن فقير ان يجرؤ على ارتكاب فعلة التعدي على شجرة في ظل هذه الغرامة الباهظة، دون ان يكون محميا"؟! وهو لا يتردد في "الغمز" من قناة "بعض الطوافين"، في "لجوئهم أحيانا إلى التغاضي عن هذه المخالفات مقابل إكرامية مالية"!
"في إحدى المرات تسللت إلى الغابة المجاورة لمنزلي، وهممت بقطع شجرة معمرة خضراء، تزن قرابة الطن، كنت منهمكا بالقطع، قبل ان يضبطني احد الطوافين"، يقول مواطن آخر من سكان المنطقة التقته "الغد"، وهو يزعم ان "خمسة دنانير فقط كانت كافية لسكوت الطواف و "كف" شرّه عني"! ان "بعضا من الطوافين يفعل ذلك من اجل كسب دخل إضافي"!
قد لا تبدو قصة هذا المواطن وشجرته المسطو عليها من غابات جرش ذات أهمية امام "تنامي" ظاهرة الاعتداء على الاشجار الحرجية في غابات جرش وباقي مناطق المملكة، من قبل مجموعات وتجار "امتهنوا" تجارة الحطب المسطو عليه من
الغابات، وهي ظاهرة يربطها مسؤولون ومواطنون بمشكلة أعمق، تتمثل في قيام البعض بإضرام الحرائق المفتعلة في بعض الأحراش والغابات للتغطية على "جريمة" السطو على الغابات.
وتهدد ظاهرة الاعتداء على الاشجار وتقطيعها للحصول على الحطب المساحات الخضراء في الأردن، التي تشكل نحو 1% من مساحته الإجمالية البالغة 89 ألف كيلومتر مربع. وتمتد المناطق الحرجية والمساحات الخضراء من وادي اليرموك شمالا لتصل إلى مرتفعات الشراة ووادي موسى جنوبا.
وتحتل عجلون المرتبة الأولى في توفر المساحة الحرجية على مستوى المملكة، ما يجعلها اكثر المناطق المعرضة للتحطيب، إضافة إلى جرش ومنطقة ثغرة عصفور وريمون وساكب وبرما وغيرها من القرى.
استخدامات محلية متواضعة
سكان المناطق المحيطة بالغابات في جرش يستغربون اتهامهم أحيانا بالاعتداء على الغابات، رغم إقرار البعض بوجود حالات لقطع بعض الاشجار بصورة فردية من قبل مواطنين لغايات التدفئة، خاصة في السنتين الأخيرتين، اللتين شهدتا ارتفاعات كبيرة على اسعار المحروقات والكاز، إلا ان هذه "الاعتداءات" من بعض السكان المحليين لا ترتقي الى "جرائم الاعتداء على الغابات وتهريب الحطب" التي يقوم بها تجار ومجموعات، يسميها بعض السكان بـ"العصابات".
يقول عمر لـ"الغد" إن ارتفاع قيمة الغرامة المالية على قاطع شجرة واحدة، وتصل أحيانا إلى 500 دينار، "تسبب الذعر لغالبية السكان، ممن لا قدرة لهم على دفعها". لذلك فإن اغلب العائلات تلجأ، بحسب عمر إلى تقليم أشجار بساتينها، خاصة بعد موسم قطاف الزيتون، وجمع ما تساقط من أغصان يابسة في منطقة الأحراش القريبة، لاستخدامها في التدفئة بعيدا عن التعدي على أشجار الغابات".
عمر، الذي يسكن بالقرب من اكثر الغابات كثافة بالأشجار الحرجية، يقول إن 95% من أهالي ساكب يعتمدون على مدافئ الحطب، التي يتوافر وقودها وبشكل مجاني في الأحراش.
سقوط أوراق الخريف تعلن سنويا لمواطني المناطق المحيطة بالأحراش بدء موسم جمع الحطب، خاصة لدى العائلات المقيمة في المناطق المرتفعة والأكثر برودة. يقول مواطنون من ساكب لـ"الغد" إنهم "يلجأون إلى جمع الأغصان المتساقطة من الأشجار مع قدوم الخريف لتخزينها لاستخدامها في التدفئة في الشتاء.
إلا أن عمر، يشير إلى ان البعض من السكان، في ظل عدم القدرة على مواكبة ارتفاعات أسعار المحروقات و"ضيق ذات اليد"، يلجأ إلى قطع بعض الأشجار الحرجية وتحطيبها وتخزينها للشتاء.
ويعتبر السكان المحيطون بالغابات والأحراش والمناطق الحرجية انهم، رغم لجوئهم إلى قطع الأشجار لغايات الاستخدام الشخصي للتدفئة، "ارحم" بالأشجار والغابات من تجار الحطب ومهربيه!
يقول عمر، في هذا السياق، إن ما ترتكبه غالبية العائلات من قطع أشجار "مرده ارتفاع أسعار الكاز والغاز". كما يرى أن السكان "يتجنبون" عادة قطع الأشجار السليمة، ويلجأون الى الاستفادة من الاشجار "المعطوبة" بفعل الطبيعة، أو بفعل فاعل، فضلا عن لجوئهم الى "لملمة" ما تساقط من أغصان في محاولة لتمرير هذا الفصل بأقل ما يمكن من كلفة.
فيما يقر مواطنون بقيام البعض بقطع الاشجار، حتى وإن كانت خضراء، بحيث ينتظرون إلى ان تجف ثم تقطع وتجفف على أسطح المنازل ليتم بعدها تقطيعها وتحويلها الى حطب.
يبرر عمر "الاعتداء" من قبل البعض على الاشجار، الذي يشير إلى انه بات "ظاهرة في اتساع"، بحكمة "الضرورات تبيح المحظورات". ويقول إن "غالبية السكان، ورغم وعيهم بأهمية المحافظة على الغطاء النباتي والغابات، التي افلح أجدادهم في العناية بها، فإن ارتفاع أسعار المحروقات في السنوات الأخيرة جعل من توفير وقود مدافئهم على قائمة الأولويات".
انتشار مدافئ الحطب
يفيد مسؤولون ومواطنون أن اغلب كميات الحطب، التي تقطع في عمليات واسعة بصورة غير شرعية، تذهب للاتجار بها في مناطق مختلفة من المملكة، حيث يطلب مثل هذا الحطب في بعض مناطق عمان وغيرها لاستخدامه في مدافئ الحطب"place fire".
كذلك فإن انتشار مدافئ الحطب في المناطق المحيطة بالغابات والأحراش يدلل، بحسب مهتمين، على انتشار ظاهرة التحطيب والاعتداء على الغابات والأشجار الحرجية.
يقول ابو أشرف عياصرة، أحد المواطنين في محافظة جرش، ان من يمتهنون المتاجرة بالحطب "يشكلون خطرا" يدهم الغابات مع بداية الموسم الشتوي من كل عام.
وبعد أن يقول أبو اشرف "ما بفوت الغابة إلا من يعرفها"، يلفت إلى أن هؤلاء التجار من سكان المحافظة "لا تخفى عنهم المناطق التي لا يصلها الطوافون في الغابات، والنقاط التي تتوزع فيها سيارات الشرطة لضبط المهربين".
ويشير العياصرة إلى ان "سكان البلدات المجاورة للأحراش يكتفون بجمع ما تساقط في الغابات من أغصان يابسة، أو تقطيع الأشجار الجافة والميتة، ويعتمدون على تقليم أشجار بساتينهم لجمع مؤونة الشتاء من الحطب".
ويعتقد العياصرة أن "95% من سكان المناطق المرتفعة في جرش يعتمدون على مدافئ الحطب". ويفضل مواطنو المناطق المرتفعة، بحسب مهتمين، مدافئ الحطب على استخدام الجفت (ما يتبقى من عصر الزيتون)، الذي يصل سعر الطن منه إلى 70 دينارا، فيما الحطب يبقى وقودا مجانيا لأهالي المنطقة.
ويسبق حركة البيع والشراء لمدافئ الحطب في مثل هذا الوقت من كل سنة استعدادات تعلنها الأسر الفقيرة لتوفير الحطب وتجميعه استعدادا للبرد المقبل. وتخصص العائلات جزء من حظائرها، وأحيانا الطابق السفلي من منازلهم (التسوية)، لغايات التخزين. فيما تشرع بثقب أسقف منازلها لتركيب "بواري" مدافئ الحطب.
قراءة وضع السوق المحلي فيما يتعلق بمبيعات مدافئ الحطب تشير إلى إقبال متزايد على استخدامها. يقول محمد القادري، صاحب احد محلات بيع المدافئ في جرش، انه "لم يبع سوى ثلاث صوبات تعمل على السولار، منذ بداية الموسم الشتوي في حين ارتفعت مبيعات صوبة الحطب لتتجاوز حاجز الـ350 صوبة".
ويتوقع أن "يواصل المواطنون شراء المدافئ مع دخول أربعينية الشتاء". لافتا إلى أن "الجرشيين يفضلونها لقلة تكاليف تركيبها وتشغيلها، إذ لا يتجاوز سعرها الـ19 دينارا"، مشيرا إلى أن "محلات امتهنت بيع الصوبات في مناطق ساكب وجبا خلال الأعوام القليلة الماضية وهو ما يدل على ارتفاع نسبة مبيعاتها".
وبين أن "ارتفاع المحروقات في السنوات الخمس الأخيرة جعل منها مدفأة معتمدة لدى غالبية السكان في المناطق المرتفعة والباردة".
"في السابق كانت الأسر تجتمع حول مدفأة حطب واحدة في المنزل، أما الآن فأصبحت تفضل توفير واحدة في كل غرفة يشغلها أفراد العائلة"، وفقا لأبو اشرف، الذي أشار إلى أن "هناك تزايدا في استخدامها نظرا لقلة تكاليف استخدامها".
ويوضح أن "سعرها منخفض، ووقودها لا يتطلب سوى بضعة جولات مكوكية على الأحراش، لجمع ما توفر من حطب دون الاعتداء على الأشجار الخضراء".
ابو اشرف، كغيره من سكان المناطق الجبلية الباردة، أفلحت جولاته في بستانه قبل موسم الشتاء بـثلاثة أشهر في جمع كمية لا باس بها من الأغصان، كدسها في مكان لا تصله زخات المطر.
اتهام ينفيه الطوافون
عمر، وغيره من مواطنين التقتهم "الغد"، اتهموا عددا من طوّافي "حراس" الغابات، بأنهم يشكلون "نسبة جيدة" من "تجار الحطب"، وهي تهم ينفيها مسؤولو مديرية الزراعة في جرش وعدد من الطوافين.
يقول عمر إن "معظم تجار الحطب هم من الطوافين يقيمون في منطقة قريبة من الأحراش والغابات، أرقامهم متداولة بين الزبائن، وأعمالهم تنفذ في وضح النهار" على حد زعمه.
ويضيف أن "الغرامة الباهظة لقطع شجرة معمرة لا قدرة لأبناء المنطقة على دفعها"، ليخلص إلى القول ان "الاعتداء على الاشجار لن يكون سهلا من دون سكوت أو تمرير ذلك من قبل البعض"!
يقر أحد الطوافين (حراس الغابات) لـ"الغد" بأن "ثمة تجاوزات وتمرير من بعض الطوافين للاعتداء على الاشجار".
ويبرر مصدرنا "تمرير" الطوافين لحالات الاعتداء على الاشجار أحيانا بأن اغلب الطوافين يرزحون تحت وطأة ظروف معيشية صعبة ودخول متدنية.
يتابع الطواف، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "البعض قد يقدم تسهيلات لتجار الحطب مقابل 20-30 دينارا، وهو لا يرتكب فعلته هذه إلا مجبرا، جراء الضائقة المالية التي لا يمكنه تجاوزها، وهو يعتمد على دخل متآكل لا يكفي لتغطية مصاريف المعيشة".
ويستطرد موضحا ظروف عمل الطوافين، ويقول إن "ساعات عملهم متواصلة، وكل منهم مسؤول عن مساحة تصل الى 600 دونم، توكل له مهمة حراستها من الاعتداءات". ويعتبر ان"الراتب الذي يتقاضاه الحارس لا يوازي الجهد المبذول".
ويتقاضى الطواف، بحسب بعضهم، راتبا شهريا يصل الى 170 دينارا، دون أن توفر لهم اية زيادات اخرى.
يقول أحد الطوافين انهم يجولون مناطق الغابات بمركباتهم الخاصة، فيما تقتطع قيمة الوقود المستهلك في العمل من الراتب الشهري.
ويعتبر أن "عدد الطوافين العاملين على حراسة الغابات كاف، لو رفعت وزارة الزراعة أجورهم، وحولتهم إلى نظام الراتب المقطوع بدلا من نظام المياومة"!
طواف آخر أيد زميله أمام "الغد" بالقول إن "زيادة راتب حارس الغابة ودعمه ماليا ومعنويا من شأنه تحفيزه لأداء واجبه على أكمل وجه".
يقول إن "اكثر من ثلثي الراتب" يخصص لتغطية مصاريف الوقود لغايات التنقل بمركبته الخاصة من منطقة لأخرى للرقابة على الغابات. ويوضح انه يحرس مساحة تتجاوز 300 دونم، "ما يجعلني اعتمد على عيون لي (مصادر)، تراقب لي المناطق التي ابتعد عنها أحيانا، وهؤلاء لا يقدمون الخدمة مجانا، بل اقتطع من راتبي بضعة دنانير لإرضائهم".
شكوى مضادة للطوافين
يقول مصدرنا "حقوقنا مهضومة، فنحن لا نزال نعمل على نظام المياومة، ونحن مهددون بالخطر أثناء عملنا، فحرامية الحطب هم جماعات منظمة، وغالبا ما يتعرض الحارس، الذي يلاحقهم، للضرب والاعتداء عليه، ما يضطر إلى الاستعانة بالشرطة البيئية عندما نشعر بأن الخطر يدهمنا".
وردا على اتهامات مواطنين للطوافين بـ"تمرير" بعض الاعتداءات على الأشجار والغابات مقابل "إكراميات"، اكتفى هذا الطواف بالقول "كل واحد وضميره".
ويشدد على ضرورة التفريق بين تجار الحطب وسكان المنطقة الذين يلجأون إلى الغابات للحصول على التدفئة. ويقول إن "الخطر" يأتي من تجار الحطب، ولا يقارن بتجاوزات بعض الأهالي. ويلفت الى أن "الأهالي يكتفون بلملمة الأغصان في "شوالات" متواضعة لاستخدامها لتمرير أيام الشتاء بأقل التكاليف".
ويشير عدد من الطوافين إلى انه رغم العديد من الإجراءات التي تتخذها وزارة الزراعة والجهات المعنية للحد من الاعتداءات على الأشجار، تحديدا من فئة التجار والمهربين، فإن الظاهرة "في تزايد"، وتلجأ هذه الفئة إلى أساليب وأدوات حديثة للإثراء "غير المشروع" من هذه التجارة.
يقول أحد الطوافين، الذي يفضل عدم شكر اسمه، ان "حرامية (تجار) الحطب"، هم الأخطر، ولديهم إلمام بمداخل الغابات ومخارجها، وبكافة طرقها الترابية. ويلفت الى ان إغلاق الطرق الترابية في الغابات من قبل وزارة الزراعة شتاء يتسبب في عرقلة اعتداءات تجار الحطب بنسبة 70%، حيث يقطع إغلاق الطرق الترابية الدرب على المعتدين.
إلا ان وزارة الزراعة تضطر إلى إعادة فتح هذه الطرق الترابية في الغابات صيفا، تحوطا من وقوع حرائق بصعب الوصول إليها في حال الإغلاق"، الأمر الذي "يسهل على تجار الحطب تنفيذ اعتداءاتهم على الغابات".
ورغم الإجراءات المتخذة لحماية الأشجار الحرجية فإن محدثنا الطواف يعتقد أن الاعتداءات "زادت في الآونة الاخيرة". ويوضح ان "عدد الضبوطات، التي يحررها الطواف في الفترة الاخيرة تتجاوز الأربعة ضبوطات شهريا، فيما لم تتعد الضبطين قبل 4 سنوات".
"الزراعة" تقلل من المشكلة
من جانبه، ينفي مدير الحراج في وزارة الزراعة المهندس محمد الشرمان لـ"الغد" أن يكون هناك تواطؤ من حراس الغابات مع تجار الحطب". ويقول "هذه الاتهامات عارية عن الصحة، وليس أدل على ذلك من أن لا قضايا مرفوعة على الحراس في هذا الجانب".
ويستطرد الشرمان "هناك متابعة من قبل الاجهزة الامنية للطوافين القائمين بأعمال الرقابة على الغابات الصنوبرية"، الممتدة على مساحة 92 ألف دونم في محافظة جرش.
لكن الشرمان يقر بأن غابات محافظة جرش الصنوبرية "تتعرض للاعتداء الجائر". ويؤكد أن المشكلة الرئيسية هي من قبل "تجار يمتهنون تقطيع الاشجار والمتاجرة بها".
ويبين ان "اهالي المحافظة لا يشكلون خطرا على الاشجار، فهم يكتفون بلملمة الأغصان المتساقطة والأشجار اليابسة".
ويلفت الشرمان إلى ان "وزارة الزراعة وبالتعاون مع الشرطة البيئية تعمل على حراسة الغابات، في ظل عدم توفر العدد الكافي من الطوافين". ويشير إلى ان هناك توجهات لزيادة أعداد هذه الفئة.
وتستعين وزارة الزراعة، في رقابتها على الغابات والمناطق الحرجية، بالأجهزة الأمنية، من خلال عناصرها المنتشرين على الطرقات الرئيسية، والذين يشكلون نقاط إغلاق، ويجرون أعمال تفتيش للمركبات، التي يشتبه بوجود مواد حرجية داخلها، وضبط ما يهرب منها خارج حدود المحافظة، بحسب الشرمان.
وتشتد أعمال التحطيب وتتزايد في ايام العطل ونهاية الأسبوع. وهو ما دفع الشرمان الى ان يدعو الى "تكثيف نشاط الطوافين، بالتعاون مع الشرطة البيئية والأجهزة الأمنية لزيادة دوريات الرقابة والضبط" لهذه المخالفات.
مناطق ساخنة
ويؤكد مدير زراعة جرش بالإنابة المهندس علي الأسمر أن مما يساهم في ازدهار تجارة "قراصنة" الغابات "قلة عدد الطوافين". ويوضح "ليس باستطاعة العدد الموجود حاليا من الطوافين ان يجوبوا حوالي 92 ألف دونم يوميا". ويضيف أن هناك "مناطق ساخنة" في محافظة جرش، تكثر فيها الاعتداءات على الاشجار، مثل كفر خل وبليلا وسوف وساكب ووادي المجر، وجميعها بلدات تكثر فيها الأحراش والاعتداءات، الأمر الذي يتطلب زيادة عدد الطوافين وتكثيف تواجدهم هناك.
ويعمل بوظيفة طواف في محافظة جرش 22 طوافا فقط، مكلفون بحراسة الغابات والأحراش في المحافظة.
يقول الأسمر إن "نقص عدد الطوافين دفع مديرية زراعة جرش الى مخاطبة الوزارة لتعيين المزيد منهم".
لكن الأسمر يشدد على ان المديرية، ورغم هذه الإمكانيات، "تتصدى بحزم وكفاءة للاعتداء على الاشجار المعمرة في الأحراش". مشيرا الى ان "المديرية تقوم بتحرير الضبوطات بحق المعتدين على الاشجار وتحويلهم الى الحاكم الاداري ليتم ربطهم بتعهدات وكفالات مالية مشددة".
ولا يعتبر الأسمر حجم الضبوطات والمخالفات المسجلة مؤشرا على ارتفاع ظاهرة الاعتداء على الأشجار والأحراش. ويشير الى ان المديرية سجلت العام الحالي 74 ضبطا بحق معتدين، قاموا بقطع حوالي 510 شجرات معمرة، منها 5 ضبوطات بحق اشخاص قطعوا أشجارا في أراضيهم الخاصة.
ويلفت إلى ان اصحاب الاراضي لا يقدمون على تقليم وتقطيع ما توفر من أشجار حرجية في بساتينهم من دون الحصول على ترخيص من مديرية الزراعة، يسمح لهم بممارسة تلك الأعمال.
ويعاقب قانون الزراعة المعتدي على الأراضي الحرجية، سواء بإزالة أو بتخريب علاماتها وأسيجتها الحدودية بالحبس لمدة ثلاثة أشهر، وبغرامة مقدارها 100 دينار. كما يعاقب بالحبس ثلاثة أشهر إلى سنة، وبغرامة مالية قدرها 50 دينارا، على كل شجرة أو شجيرة حرجية أتلفها الحريق، ويلزم المعتدي أو المتسبب بدفع تكاليف إطفاء الحريق.
ويؤكد الأسمر ان المديرية "استنفرت جهودها مع بداية الموسم الشتوي الحالي، حيث عملت على تنشيط فرق متكاملة من الطوافين، برفقة مهندسين زراعيين وعمال الحماية وبالتعاون مع الشرطة البيئية لمراقبة الأحراش ومخالفة المعتدين. ويقول ان المديرية تعتمد نظام المناوبات لمراقبة الأحراش ليل نهار.
وتشير إحصائيات الإدارة الملكية لحماية البيئة (الشرطة البيئية)، في باب قضايا التحطيب الجائر، الى انه تم منذ بداية العام الحالي تسجيل 65 قضية تحطيب جائر. وبلغت كمية الأوزان المضبوطة داخل مركبات خلال هذه المدة نحو 58 طنا و340 كغم، أما عدد الأشجار المضبوطة مقطعة من الأرومة فبلغ 177 شجرة.
حرائق مفتعلة
ويكشف مدير الحراج في الوزارة الشرمان لـ"الغد" أن "غالبية" أعمال التقطيع وتهريب الحطب "تتم في الايام التي تشهد وقوع حرائق كبيرة في الغابات". ويرى انه "في الاغلب تكون هذه الحرائق فعلا مدبرا من قبل مجموعة تمتهن المتاجرة بالحطب، وتتعمد افتعال الحريق، حتى يتسنى لها الوقت لتنفيذ اعتدائها، في وقت تكون فيه كوادر الدفاع المدني ووزارة الزراعة منشغلة في إطفاء النيران".
وفي هذا السياق، يؤكد مصدر مطلع لـ"الغد" أن "الثروة الحرجية يواجهها خطر حقيقي لا بد من الوقوف عنده جراء التجارة غير المشروعة". لافتا إلى "الحرائق الكبيرة"، التي استطاعت أن تلتهم مساحات شاسعة من الجبال الحرجية.
ويستذكر المصدر الحريق، الذي شب في جبل الطرون صيف 2006، وافقد الجبل غطاءه النباتي، حيث كان بفعل فاعل. كما لفت الى حريق آخر طال ما مساحته 60 دونما من الأحراش في جبل الأقرع، ليتشح بالسواد صيف عام 2007.
وخلفت ألسنة النيران وراءها حطام 600 شجرة من الثروة الحرجية.
ويلفت المصدر الى ان هوية الفاعل في الحريقين بقيت "مجهولة". ويعتبر ان "عدم كشف هوية الفاعل ومعاقبته سيتيح الفرصة امام آخرين لاستباحة الأحراش".
وربط مواطنون في جرش ومناطق محيطة بالغابات وقوع تلك الحرائق الضخمة، التي تطلب إخمادها استنفار الأجهزة الأمنية وكوادر الزراعة والدفاع المدني، بمن أسموهم "قراصنة حطب" يعمدون الى محاولة إلهاء تلك الكوادر في حين يقومون بالاعتداء على الغابات وقطع الأشجار من دون رقابة مشددة.
لذلك ، يطالب المصدر المطلع بضرورة "فتح طرق النار" في الغابات لتسهيل عملية إخماد النيران، والحد من ان يطاول الحريق مساحات أوسع من الاشجار.
كما يلفت المصدر الى ان "عدم توفر آبار المياه داخل الغابات تحسبا لاشتعال الحرائق يضع كوادر الإطفاء في مأزق، سيما وأنهم سيضطرون في حالات الطوارئ الى تعبئة الصهاريج بالمياه والتوجه بها الى مناطق الحريق، وهو أمر فيه "إهدار للوقت والجهد".
فيما يرى مدير زراعة جرش بالإنابة المهندس علي الأسمر أن طبيعة التضاريس في الغابات، وكثافة الأشجار الحرجية في جرش تقف عائقا أمام وصول آليات الدفاع المدني لمواقع الحريق، الأمر الذي يعرض مساحات شاسعة من الغابات لخطر النيران.
ويوضح أن مديريته "قامت منذ سنوات بفتح عشرات الكيلومترات داخل الغابات"، ولديها خطة مستقبلية لفتح طرق أخرى، وذلك للحد من خطر الحرائق وآثارها".
أجهزة "عدوان" حديثة
ويؤكد مسؤولون ومواطنون ان تجار الحطب والمعتدين على الغابات يلجأون الى استخدام آلات وأدوات حديثة لتنفيذ اعتداءاتهم.
ويبين المصدر المطلع ان "هؤلاء التجار يبرعون في أعمال التقطيع، فهم يستخدمون "ماتورات حديثة كاتمة للصوت"، بات الحصول عليها في متناول الجميع. باستخدام هذه الآلات يستطيع المعتدي انهاء تقطيع شجرة معمرة في غضون ربع ساعة بصمت ومن دون ضجيج.
ويلفت إلى ان "الصوت الصادر عن مناشير الخشب القديمة كانت تنذر الطوافين بمكان الاعتداء، فيما الآلات الكاتمة للصوت، التي شاع استخدامها مؤخرا، لا يسمع ضجيجها الا من مسافة متر فقط".
ويسهل عمل المعتدين استخدام آلات قطع حديثة لا تصدر أصواتا كآلة "الجازور"، وماتورات القطع. كما تنشط أعمالهم في ساعات الليل، ويعتمدون على أسلوب مناورة الطوافين، ومحاولة تضليلهم لتسريب الأشجار المقطعة خارج المحافظة، بحسب الأسمر.
ويدعو الأسمر الى معالجة موضوع استيراد واقتناء آلات قطع الأشجار الحديثة، كاتمة الصوت. مقترحا على الحكومة "اشتراط ترخيص هذه الآلات، للتسهيل على مديريات الزراعة تعقب المعتدين".
كما ابتكر تجار حطب أساليب "تمويهية" لتهريب الخشب خارج جرش، وفقا للشرمان، الذي اشار الى انهم "يستخدمون مركبات غير مكشوفة، مخصصة لاستخدامات اخرى، لغايات تهريب الحطب بالخفية".
وتنجح عمليات التهريب للحطب غالبا، بحسب الشرمان، الذي يقول ان "التجار يخططون وينشرون عيونا لهم في كل مكان، ويتواصلون مع بعضهم البعض عبر أجهزة اتصال، لتحذير من يعمل على قطع الخشب والأشجار او نقله، من الطوافين وأجهزة الامن المترصدة لهم في نقاط التفتيش".
عجز وحلول
ويعتبر المصدر المطلع ان إجراءات التصدي للاعتداء على الاشجار الحرجية "ما تزال قاصرة عن ردع المعتدين". لافتا، في هذا السياق، الى انخفاض أعداد الطوافين، متسائلا "كيف لكل موظف ان ينجز مهام الحماية لأشجار تمتد على مسافة 50 كيلومترا".
وطالب ايضا وزارة الزراعة بضرورة استخدام كاميرات مراقبة، يتم تركيبها في المناطق الساخنة، أي التي تكثر فيها الاعتداءات على الاشجار.
كما يلفت الى ان "الصلاحيات الممنوحة للطوافين، والتي تقتصر على تحرير المخالفات، تجعلهم عاجزين عن اداء مهامهم بحماية الغابات والاحراش". ويقترح "تكليف مهمة الرقابة على الغابات وحمايتها من الاعتداءات للقوات المسلحة".
كما يلفت المصدر الى ان قوانين الزراعة "عززت من تنامي العلاقة العدوانية بين الغابة وسكان المحافظة، ما يستدعي الشروع باقامة مشاريع سياحية صديقة للبيئة في الغابات، تكون كفيلة بتغيير نوع العلاقة بين الطرفين".
الشرطة البيئية
يقول مدير الإدارة الملكية لحماية البيئة العقيد عدوان العدوان ان من اهم واجبات الإدارة مراقبة وضبط المخالفات المتعلقة بالرعي والتحطيب والصيد الجائر والتعدي على الأحياء البرية والثروة الحرجية.
وبين العدوان ان كوادر الادارة تقوم بتكثيف مراقبة المناطق الحرجية ومنع التحطيب الجائر، عبر حملات بيئية ودوريات في المناطق الحرجية وخاصة في فترة الشتاء.
كما تقوم الشرطة البيئية بمراقبة محلات بيع الحطب، والتأكد من حصول أصحابها على التراخيص التي تخولهم بيع الحطب.
وتتعاون الإدارة الملكية مع مديريات الحراج التابعة لوزارة الزراعة من خلال الأقسام الميدانية والفروع التابعة لها بالإضافة إلى مفرزة المباحث البيئية، التي استحدثت مؤخرا لضبط المخالفين والمعتدين على الثروة الحرجية. ويلفت العدوان الى ان دوريات الشرطة البيئية تكون في مركبات بلوحة مدنية خاصة، وعبر طاقم باللباس المدني. الغد
الأكثر قراءة