الشريط الاخباري
- المدير العام ( المفوض ) .. عماد شاهين
- يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
- رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
- نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577
الفطرة الأخلاقية بين الخطاب والامتحان العالمي
الفطرة الأخلاقية بين الخطاب والامتحان العالمي
النائب الكابتن زهير محمد الخشمان
غزة اليوم ليست مجرد عنوان في نشرات الأخبار؛ إنها المحكّ الذي يُعيد صياغة الشرعية الأخلاقية للعالم. حين تتساقط القنابل على المستشفيات ويُحاصر الأطفال بالحصار والتجويع، لا يبقى مكان للحياد أو للجدل السياسي البارد. هنا يصبح الصمت تواطؤًا، والتبرير سقوطًا حضاريًا. في هذه اللحظة جاء خطاب الملكة رانيا العبدالله ليعلن، بوضوح غير قابل للتأويل، أن "غزة هي العدسة التي تفرض علينا رؤية الأمور بوضوح أخلاقي".
هذا الوضوح الأخلاقي ليس شعارًا، بل معيارًا جديدًا للعلاقات الدولية. من يتعامى عن الدم الفلسطيني يفقد شرعيته مهما علت قوته. ومن يصرّ على الموازنة بين الضحية والجلاد يفقد إنسانيته قبل أن يفقد مصداقيته. الملكة، وهي تخاطب العالم من منبر دولي، لم تكتفِ بالتعاطف، بل قلبت معادلة التقييم: الحضارة ليست ما تعلنه البورصات ولا ما تُنتجه المصانع، بل كيف يتصرّف العالم في لحظة امتحان الضمير.
بين السطور، الرسالة موجهة مباشرة للعواصم الكبرى: النظام الدولي كما صُنع بعد الحرب العالمية الثانية فقد توازنه الأخلاقي، وغزة كشفت ذلك على الملأ. الشرعية لم تعد تُمنح بالدبابات ولا بمقعد دائم في مجلس الأمن، بل تُكتسب حين تدافع عن الإنسان، أي إنسان، دون انتقائية أو ازدواجية.
وفي استدعاءها لفكرة "الفطرة الأخلاقية"، لم تكن الملكة تطرح وعظًا دينيًا أو خطبة وجدانية، بل مشروعًا سياسيًا بديلًا: العودة إلى الأصل الذي وُلدت عليه البشرية، حيث العدل رحمة، والقوة أمانة، والإنسانية معيار الحكم. في عالم مهووس بالمصالح، هي تذكير أن المصالح وحدها لا تصنع استقرارًا ولا تصنع تاريخًا. الاستقرار بلا عدالة وهم، والتاريخ بلا أخلاق خطيئة.
أما الشباب الذين حيّتهم الملكة بوصفهم "جسدوا الشجاعة الأخلاقية في عالم تائه"، فهم ليسوا مجرد متظاهرين عابرين، بل هم نذير التحول القادم. الجيل الذي يعتصم في الجامعات الغربية ويخسر تعليمه أو عمله من أجل فلسطين، يُعيد رسم الخريطة الأخلاقية للعالم. هؤلاء يكتبون بدموعهم وصوتهم أن الضمير لا يُشترى ولا يُباع، وأن السياسات التي تعاند هذه الفطرة ستسقط عاجلًا أو آجلًا.
الأردن في هذا السياق ليس غريبًا عن الرسالة، بل هو شاهد حيّ على أن الشرعية الأخلاقية يمكن أن تمنح وزنًا سياسيًا يفوق الموارد. بلد محدود القدرات، لكنه احتضن ملايين اللاجئين، وظل وفيًا لالتزامه بالقضية الفلسطينية، وصوتًا صريحًا ضد التهجير والإبادة. هنا يصبح الفعل الأردني نفسه تجسيدًا لما دعت إليه الملكة: أن الإنسانية ليست خيارًا تكميليًا، بل أساس الهوية السياسية.
الخلاصة أن خطاب الملكة لم يكن مجرد دفاع عن غزة، بل كان إعادة تعريف لمفهوم القيادة العالمية. القيادة الحقيقية لا تُقاس بما تملكه من نفوذ، بل بمدى قدرتها على حماية الإنسان وقت الأزمات. وبين السطور كان التحذير واضحًا: من لا يعود إلى فطرته الأخلاقية، سيفقد شرعيته في أعين العالم، وسيسقط من ذاكرة التاريخ مهما طال بقاؤه في السلطة.

إقرأايضاً
الأكثر قراءة