• المدير العام ( المفوض ) .. عماد شاهين
  • يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
  • رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
  • نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577

"طبخة" تشكيل أول حكومة شبه برلمانية في العهد الرابع

صفحة للطباعة
تاريخ النشر : 2013-03-13
1955

 بعد طي صفحة الانتخابات، تسير وجبة الإصلاحات الثانية وفق وصفة التغيير "الآمن والمبرمج"بقيادة الملك لفرز أول حكومة شبه برلمانية في العهد الرابع، تحظى بفرصة ذهبية لاستعادة الولاية العامة.

بعد جولة مشاورات القصر مع الكتل البرلمانية والنواب لحصر اسم رئيس الحكومة،  يعكف د. عبد الله النسور على حشد أغلبية نيابية لنيل الثقة قبل الإعلان عن طاقم حكومته وبرنامجها لأربع سنوات مقبلة.

اليوم يلتقي الرئيس القديم/ الجديد مع كتل نيابية موالية ومعارضه بينما يصطف خارج الحلبة السياسية خصوم وأنصار عملية الانتقال الديمقراطي عبر بوابة البرلمان.

أمامه وأمام الأردن تحديات جمّة في ظل كتل نيابية غالبيتها أشبه بكثبان رملية متحركة. وهو يتحرك دون مقومات أساسية تجسد مفهوم الحكومة البرلمانية، كما في الديمقراطيات العريقة، حيث حزب معارض قوي ببرامج واضحة قادر على لعب حكومة الظل. أو على نحو يحاكي تجربة المغرب، حيث كلّف الملك رئيس وزراء من رحم الإخوان المسلمين بتشكيل الحكومة بعد أول انتخابات في مملكة عربية عقب اشتعال مسلسل الثورات الشعبية من تونس.

وبعد أيام، سيضع د. النسور المولود الحكومي الجديد. ثم يخوض ماراثون الحصول على ثقة النواب بمساعدة قوى ناشطة ومؤثرة من خارج البرلمان، إذ يتوقع أن يحصد  80 من 150 صوت.

هذا الحراك على السطح - المدعوم بخطاب "رسمي تقدمي" استباقي وماكنة إعلامية قوية وسط غياب معارضة سياسية حقيقية – يشي بأن الأردن يجتاز بجدارة عملية إصلاح مرسومة الحدود والأدوار. عملية إصلاح تتماشى مع مطالب "المعارضة البناءة" وتعكس إعلان الملك عن رغبته في التنازل عن بعض صلاحياته الدستورية لضمان مستقبل أكثر استقرارا.

بالطبع، تحتاج هذه الوصفة إلى وقت لإثباتها. لكنها اليوم لا تتعدى دائرة  "الانتصار التكتيكي" في شراء الوقت ومواجهة تحديات المرحلة بأقل الأضرار.

هذه الخلاصة مثار نقاش حاد بين المؤيدين ممن شاركوا في الإنتخابات إما عن قناعة أو لحماية النظام السياسي من خطر "الإخوان" و/ أو المحافظة على نعمة الأمن والاستقرار بعيدا عن الفوضى التي رافقت التغيير في تونس، مصر وسورية.

بعضهم يرى أن الملك استجاب لأقصى الممكن في ظل ظروف مصيرية، وأن عملية التغيير تراكمية تحتاج لوقت لبناء التوافق وتغيير المحفّزات.

 في المقابل، يقف جمهور مشكّك قاطع الانتخابات إما تضامنا مع الإخوان أو من باب الاستسلام واليأس، من إمكانية إحداث تغيير حقيقي يمس آلية تشكيل الحكومات واتخاذ القرار، بعد سنوات من اللف والدوران وتزاوج السلطات الثلاث.

من منظور موضوعي، يمكن القول إن التغييرات التي وقعت منذ 2011 بإشراف العقل الأمني-السياسي سحبت البساط من تحت أرجل عديدين. من بينها تعديل الدستور، تأسيس هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات وتجميل قانون الصوت.

لكن هذا التغيير يمس اللعبة السياسية في الشكل وليس المضمون.

رئيس الوزراء لم يعد يهبط علينا بالباراشوت ويطرد دون إبداء الأسباب. وأعيد تكليف د. النسور وفق الكتالوج السياسي الموجود، بعد اعتماده "خيارا مضمونا" حتى قبل الانتخابات الاخيرة.

من جهته، تجاوب الرئيس مع حدود اللعبة ضمن فن الممكن والمتاح. طوّع دهاءه السياسي، كأي سياسي طموح يلعب بمكيافيليه مع التناقضات والتجاذبات ومتطلبات مراكز النفوذ المتعددة.

وسيخرج من نفق إقحام نواب في مجلس الوزراء ويضمن ثقة معقولة، بعد أن ولىّ زمن الثقة العمياء.

بدأ يتكتك أثناء مشاوراته مع الكتل النيابية والمستقلين.

تارة يقول إنه يحبّذ "توزير النواب". ثم يردف أنه من "الأفضل البدء من الصفر والصعود تدريجيا إلى الوضع المرغوب". أي أنه يفضّل تشكيلة خالية من النواب لحين ولادة أحزاب ببرامج بديلة تخوض الانتخابات القادمة على أساس قانون انتخاب مختلف عن "الصوت الواحد"، الذي جدّد معارضته القديمة له،قبل أن ينتقل إلى "الدوار الرابع" وينقلب على مواقفه، حين أجرى الانتخابات على أساس ما كان يرفضه.

 وهو يدرك أن عددا كبيرا من النواب - حال الشعب المتفرج - يعارض توزير النواب. ويعرف أن هناك أجماعا داخل أركان الدولة برفض هذا الخيار في هذه المرحلة الانتقالية.

يقول إنه يسعى لتشكيل حكومة "طاهرة وجديدة" تساهم في كسب ثقة الشارع. لكنّه لا يمانع في الإبقاء على من يسمون "وزراء عابرون" للحكومات نجحوا في اختراق عضوية النادي السياسي المغلق، من باب أن بقاءهم ضروري لإدامة التواصل مع الحكومات الغربية المؤثرة والمانحين في هذا الوقت العصيب، وقبيل زيارة الرئيس باراك أوباما لعمان.

يقول أنه لن يرفع تعرفة الكهرباء قبل العودة إلى القبّةلكنه يعرف مفاتيح تشتيت الكتل - القائمة في الغالب على أفراد - من خلال اللعب على تناقضاتهم الشخصية والمواقفية.

أظهر أنه لا يخشى المواجهة، سواء مع من يفترض أنهم ممثلو الشعب أو مع الشعب المتفرج. قرّر رفع المحروقات في أيامه الأخيره ضد رغبة غالبية النواب.أثبت أنه سياسي عنيد مستعد للمواجهة لحماية مصلحة "الوطن"، ولمهمة شرح الأسباب الموجبة لرفع الأسعار. يعرف - حال غالبية الأردنيين أن لا خيار أمام أي رئيس وزراء مهما كان أصله وفصله- إلا المضي قدما برفع الأسعار في غياب موارد مالية إضافية تنقذ مديونية شركة الكهرباء.

لا خيار أمامه سوى  تطبيق وصفة حكومة د. فايز الطراونه مع صندوق النقد الدولي، لنيل قرض ميسر يحصن الاقتصاد ويشحذ همم المستثمرين على أمل  توفير فرص لجيش الباحثين عن العمل.

يبدو رئيس الحكومة مستعدا للتحاور مع المعارضة الإسلامية وقوى الحراك المجتمعي المؤثرة، في حال وجد في ذلك خدمة لتوجهات الدولة الرسمية، بما فيها مصلحة حكومته. وفي عين الوقت، لا مانع من مهاجمتها إن رفعت "الدوز" مرة أخرى أو قرّرت استئناف حراك الشارع، بعد انتهاء فترة الترقب وفي حال تغيرت المعطيات.


 لا يخجل من ذلكفهو مستعد للتبرع بمواقفه والدفاع عنها عبر سياسة "ضربة على الحافر وضربة على المسمار"، لحين انتهاء مفعوله السياسي.

بالطبع لا تعجب هذه المواصفات البراغماتية العديد من الأردنيين من ساسة وحزبيين.

على أن النسور - وفق مقربين ومؤازرين له- ظل سياسيا شجاعا قادرا على التساوق مع النواب ورغبات أصحاب القرار، حتى لو خالف ذلك قناعاته الشخصية والبرامجية.

وبذلك يتحول إلى صاحب موقف يعكس روحا ديمقراطية تؤهله للتمسك برأيه حيال شؤون سياسية واقتصادية، كا عارضها بشدّة خلال السنوات الماضية التي وضعته ضمن خانة المعارضة من داخل طبقة "أبناء السيستم".

يعرف أن أمامه مسؤولية كبيرة، وعليه السير على حبل مشدود في رحلة استعادة الولاية العامة والتعامل مع القصر وسائر الأجهزة.

يؤمن، بحسب مقربين، بأنه "سيد المرحلة" الانتقالية وأنه سيدخل التاريخ كأول رئيس وزراء جاء من رحم البرلمان واستطاع اللعب على التناقضات. يدفعه في ذلك رغبة شخصية جامحة صوب "أكل العنب بدل ضرب الناطور". وهذا من حقه ومن حق أي سياسي طموح أقصي عن الواجهة خلال العقدين الماضيين لأسباب غير موضوعية بينما لديه الكثير ليقدمه لوطنة.

سينال ثقة برلمانية بعد الاستماع لماراثون خطابات رنانة لن تخلوا من التجريح والتشكيك. فالنيابي الجديد لا يختلف كثيرا عن أسلافه باستثناء نواب إصلاحيين معدودين.

يضع رجليه على الأرض. ولا بد أنه مستعد للتعامل مع تيار يعاديه بشراسة على خلفية مواقفه أثناء محاولة نواب 1989 محاكمة رموز الفساد أو لمواقفه الشخصية في الانتخابات الأخيرة حيال بعض المرشحين. وأيضا لأنه رفع الاسعار.
 

يدرك أن قضايا الفساد التي حوّلت للمحاكم انتقائية وما تزال هناك مطالبات شعبية بضرورة تقديم الوجبة الثانية والثالثة والتضحية ب"الرؤوس الكبيرة". ولن يتوانى كلما حانت الفرصة لذلك. لكنّه يدرك حال الغالبية صعوبة تسمية رموز الفساد المطلوبة وإدانتها من أجل استعادة الثقة في نوايا محاكمة الفساد والمفسدين.


نعم، سيشّكل النسور حكومته. لكنه سيدرك في اليوم التالي، أنه زج في قلب معركة كسب قلوب وعقول الأغلبية دون أدوات تنفيذية جديدة أو قدرة على إجراء مراجعة جوهرية لنهج الحكم والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، وإدماج نصف المجتمع المعطل (شباب ونساء) في الحياة الاقتصادية والسياسية.

فتلك معركة أكبر من الجميع. فهل يغدو النسور بطل مكافحة الفاسدين وتحسين مستوى معيشة الناس من خلال قوانين تقدمية – مالكين ومستأجرين وضريبة تصاعدية وضمان اجتماعي-  بعد أن بات بطل رفع الأسعار؟

 رنا الصباغ

أضافة تعليق


capcha
كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها . :
العراب نيوز صحيفة الكترونية جامعة - أقرأ على مسؤوليتك : المقالات و الأراء المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العراب نيوز.