- يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
- رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
- نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577
الحرب على المخدرات
بقلم الاعلامي .. بسام الياسين
الحرب على المخدرات مشكلتنا مع كل مشكلة اننا نتنظر حتى تُفرّخ المشكلة مشكلات اخرى اسوأ منها ثم نبحث عن حلٍ لها، بعد استفحالها واستعصائها.السرطان مرض قاتل يمكن الشفاء منه بنسب عالية اذا اكتشف وعولج مبكرا.
المخدرات تكمن خطورتها في سرعة انتشارها،وما يتوّلد عنها من سلوكيات جرمية ويتفرع منها من آثار مدمرة،لذلك يكون العلاج المبكر هو الفعال،لانها ـ أي المخدرات ـ هي المفتاح السحري لكل بوابات الجريمة، لما تحمله من جاذبية للسقوط في حفرة السقوط. فالادمان يؤدي بالمدمن الى اسقاط القيم الاجتماعية والضوابط الاخلاقية،ويدفعه دفعاً قهريا الى الى اقتراف كل الموبقات : السرقة،القتل،النصب والاحتيال،الكذب،الاغتصاب،اضافة الى الطلاق،حوادث السير الدامية،التسرب المدرسي،الاهمال الدراسي للجامعي،ارتكاب الموظف المخالفات،انتهاك القوانين للحصول على المال كالرشوة التزوير،وبيع المعلومات.
بمعنى ادق فان المدمن حية تعض بطنها ان لم تجد ما تعضه. صعوبة الادمان تكون في تطوره من عادة سلوكية الى اسلوب حياة،حيث يلجأ المدمن الى التعاطي لاسباب عديدة ابرزها شخصيته الاتكالية،اصدقاء السوء،والهروب من واقعه. الجرعة السُمية تؤّمن لصاحبها ملاذاً آمناً كاذبا و احلاماً زائفة،لكنها في حقيقة الامر تشبه جهنم اذ ان الطريق اليها مفروشة بلذة عابرة و نهايات مهلكة،و كلما تناول المدمن جرعة طلب جسده المزيد منها كماً وعدداً "....يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد؟!" صدق الله العظيم.
الادمان يمكن علاجه،فيما خطورته من انه مرض انتكاسي لارتباط المتعاطي النفسي بالامكنة و الاشخاص الذي يتعاطى معهم فهو دائم الحنين الى تلك " القعدات".من هنا فالمدمن يهدم الجسور مع عالمه الخارجي ويبني عالمه الوهمي الخاص به.فتراه يدور في حلقة مفرغة ويصير شغله الشاغل تامين الجرعة ،حيث يتحول الادمان من وسيلة لامتاع صاحبه الى وحش ينقّض عليه اذا لم يؤمن له " جرعته" التي تُهدأ قلقه. يجب الاعتراف بداية ان تجارة المخدرات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بشريحة نافذة او عصابة ثرية لانها تجارة معقدة بحاجة الى تنظيم دقيق،تمويل كبير،حماية قوية،و شبكة واسعة من الاشخاص لتسهيل مرورها عبر المنافذ البرية والبحرية والجوية.هي ليست تجارة " بيك آب" بندورة ببضعة دنانير،بل تحتاج الى الملايين.
في الستينيات من القرن المنصرم ادخلت وكالة المخابرات الامريكية الهيروين الى " مملكة لاووس" لتمويل الحرب الاهلية،وفي عهد الرئيس ريغان ادخلتها ذات الوكالة الى نيكارغوا لهزيمة الشعب من الداخل،كما ان " حرب الافيون" الاولى والثانية الشهيرة عام 1888غير خافية على احد حيث اغرق الاستعمار البريطاني القذر الصين بالافيون لشل حركة التنين العملاق،واسترداد ما يدفعه التجار الانجليز من فضة ثمناً للشاي والحرير الصيني.احصائيات آنذاك تؤكد ان عدد المدمنيين بلغ ما بين ( 70 الى 120 ) مليون صيني. في عام 1949 كان الشعب الصيني محكوماً من لدن زمرة من اقطاعيين وتجار كبار ساعدوا على نشر هذه الآفة حتى اصبحت في متناول الجميع،تباع على الارصفة كما تباع الحلوى،فيتهافت عليها الفقراء هرباً من واقعهم المزري.امام هذا الوضع المدمر اطلقت القيادة العليا صرخة بوجوب " توحيد جهود الجميع لحرب شاملة على المخدرات"،وعولت على الشعب المهمة الاكبر.
ومن اجل كسب ثقة الناس وتحفيزهم جرى احراق المخدرات المصادرة في احتفالات عامة،وسارت المظاهرات تُندد بتجار المخدرات،واعتبارهم اعداء للشعب وطالبوا باعدامهم لتطهير الصين منهم،والنظر الى المدمنيين على انهم ضحايا. بالتزامن مع ذلك قامت الاجهزة المختصة بشن حملات واسعة ومكثفة لتفكيك شبكات المخدرات،وتجفيف منابعها الداخلية،و اغلاق منافذها الخارجية،واستمالة صغار التجار و تجنيدهم للكشف عن الرؤوس الكبيرة و اماكن التخزين.وسجلت الحملة نجاحات باستثناء جيوب صغيرة اجهزت عليها الدولة بالتعاون مع الناس لاحقاً. النسب التي اظهرتها الدراسات الاخيرة عندنا عن تعاطي المخدرات مزلزلة.
فاذا كان في الجامعة الام وحدها 6400 طالب متعاطٍ للمخدرات والمسكرات، فكيف الحال بين سائقي الشاحنات وتكسي الاجرة والطبقة الفقيرة التي لا تجد بارقة امل على ارض الواقع،ما يؤشر اننا امام جائحة متنامية بتسارع مذهل تعمل على ذبح الوطن من الحنجرة.المطلوب ارداة سياسية فولاذية،وحكومات ذوات استقلالية لا حكومات تصريف اعمال،ورفع الجاهزية الى اللون الاحمر، تماماً كالحرب على الارهاب فكلاهما يعمل بسرية على نخر المجتمع ويجب مواجهته بشجاعة. نازلة المخدرات التي نزلت فينا لم تكن مفاجئة او مفاجآة بل متوقعة،اما ما يخالف المنطق ان يميل بعض من تناولوا قضية المخدرات الى اساليب دفاعية نفسية او اسقاطات على اطراف اخرى لاخلاء الطرف،لتحميل المسؤولية على شماعة الآخرين، بينما القنبلة في احضاننا منذ مدة ليس بالقصيرة، متناسين الرؤوس الكبيرة التي ادخلتها الى مخادع نومنا حتى تطور الامر الى صناعة " الجوكر وزراعة الماريجوانا"،وانتشار حبوب الهلوسة على الارصفة. الانحدار الاخلاقي،التفكك السياسي،التدني الثقافي مشكلات عويصة نعانيها وان لم نعترف بها.
ما نقوله ليس من باب الغيبيات،وما تردي الحالة الشعبية الا دليل حي على صدقية ما نقول : فما معنى جرائم القتل الدورية،الطعن شبه اليومي،تفشي المخدرات،نشوب المشاجرات لاتفه الاسباب بالاسلحة البيضاء والنارية،تقطّع اواصر المحبة والثقة بين الناس،غياب عام للقانون الاخلاقي الجمعي، الاعتداء على الاباء والزوجات،الاعتداء على رجال الشرطة قتلاً ودهساً وطعناً،الاعتداء على الاطباء والمعلمين،البحث عن اللذة مهما كان مصدرها، ومحاولة الوصول للثراء والمكانة الاجتماعية بوسائل منحطة،المباهاة بالتطاول على الدولة،فتح جبهات نارية لنجاح طالب علاماته اوطى من واطية،مخالفات سير ضخمة للاحتفال بتخرج جامعي حصل على الشهادة زحفاً مدة اربع سنوات او ازيد قليلا.
المخدرات ليست جرعة فحسب بل طلقة قاتلة في جبين المستقبل،تخريب للمجتمع،تقويض للدولة.المعركة معها يجب الا تكون مظاهرة اعلامية بل مواجهة حقيقة تخلعها من جذورها العميقة، ما يعني ان حربها كحرب الانفاق، نفق يقود الى نفق،و اي تراخٍ في خوضها سيؤدي الى مزالق وعرة ومآزق مستعصية فتجار السموم لا يكترثون ان صار الوطن "غرزة"، طالما ان جيوبهم ممتلئة وتذاكر سفرهم محجوزة، ـ الحسرة اذن على ابناء الوطن الذين يدفعون دائماً الثمن ممن لا يعرفون او يعترفون بعد الله غيره. مدونة بسام الياسين