- يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
- رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
- نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577
كفى تصغيراً للناس واستخفافاً بعقولهم !
بقلم الاعلامي .. بسام الياسين
الازدواجية لغة :ـ هي الظهور بمظهرين متناقضين في آن واحد بينما ازدواجية الرؤية رؤية صورتين لذات الشيء في ذات النظرة.اسباب الازدواجية الرؤيوية كثيرة اهمها حَوَلٍ في البصر،إعتامً في عدسة العين و احياناً ورم خبيث في الدماغ....فيما ازدواج الشخصية اضطراب نفسي حاد يضرب الذات الانسانية،فيشطرها الى شطرين او اكثر،يتّولد عنها شخصيات متعددة،هو ما يعرف في علم النفس بـ " اضطراب الهوية الانشقاقي"،اذ ان لكل شخصية سلوكها المنفرد،خط تفكيرها المختلف،رؤيتها المغايرة للقضية الواحدة عن الشخصيات الاخرى.
مزدوج الشخصية طبياً شخص مريض، و بالتالي له اعذاره الاجتماعية، القانونية، الاخلاقية التي تبرر تصرفاته المتناقضة وسلوكياته المرفوضة. مكانه الصحيح مصحة نفسية كي لا يؤذي الاخرين الى ان يبرأ من مرضه،و يتحرر من شخصياته الزائفة التي يعيشها او تعيش فيه و الابقاء على الطبيعية منها... ـ حمداً لله ـ ان ازدواج الشخصية ـ من الامراض القليلة بل النادرة لكن المشكلة في الانتهازيين الذين يتقمصونها،والوصوليين الذين يمثلونها.
لذلك اشتهرت سينمائياً وجرى تضخيمها و تحميلها العديد من النقائص. مكمن الخطورة في الازوداجية حين تلعبها شخصية سوية عالية الذكاء،ذات قدرة كبيرة على خداع الناس.هي لا تعاني من اي خلل نفسي او عقلي و لا ترزح تحت ضعط انفعالي،انما تلعبها بدهاء مرسوم ومكر مدروس للحصول على مكاسب مادية،معنوية،إقتصادية،اجتماعية،سياسية.
غالباً ما يتظاهر المزدوج بالمثالية وهو خسيس،.يدعي الوطنية وهو مطبع غاطس في العمالة، يتظاهر بالتدين وهو فاجر لا يُشقُ له غبار في الفجور. يدافع عن حقوق المرأة وهو زير نساء.
يتحدث عن الطهارة الوظيفية و يده ممدودة تحت الطاولة لتلقي الرشوة .يسرف في الدفاع عن العروبة و الاسلام لكنه على استعداد للتنازل عن الامتين الاسلامية والعربية من اجل الحصول على جنسية ثانية او عدم التنازل عن جنسيته الاجنبية.
بارع في العمالة المزدوجة لذكائه المفرط، لا ينكشف بسهولة كالجاسوس اليهودي "الياهو كوهين" الذي اعدم في ساحة المرجة بدمشق اواسط الستينيات من القرن المنصرم،حيث كان يجن جنونه اذا طعن احد برسولنا الكريم او " سب الدين" من اصدقائه السوريين المسلمين امامه، لتكتمل اللعبة في تمثيل لعبة الغيرة الدينية.ولو لم ينكشف بالصدفة لحمل حقيبة وزراية او اصبح نائباً لرئيس الجمهورية،لاختراقه كبار المسؤولين وحصوله على ثقتهم .
الجنسية اذن، ترسانة مسلحة تحمي كيان الدولة من الاختراق.خط الدفاع الاول لمنع تسلل المزدوجين،جهاز مناعة قوي للتصدي للفايروسات الغريبة التي تحاول الفتك بالجسد.
خطورة المزدوج تكبر كلما كبر موقعه وكان مؤثراً كالوزراء،النواب،الاعيان وغيرهم من ذوي المواقع الحساسة، لما لهؤلاء من تأثير على مجريات السياسة العليا في البلاد. لا مناص فان المزدوج سينحاز الى احد احدى الدولتين التي يحمل جنسيتهما في حال نشوب خلاف بينهما،وفي احسن الاحوال سيمسك العصا من وسطها.اذ ان من المستحيلات المستحيلة استقرار الولاء عند هؤلاء لتأرجحه عاطفياً،فكرياً بين مصلحتين. لذلك قيل اذا كان الشرف يقتضي الانتساب لاب واحد،فمن الشرف الانتساب لوطن واحد. حب الوطن فطرة إنسانية في الانسان السوي لما فيه من عمق وجداني ، كرامة شخصية،رابطة روحية.
ذروة ذلك حينما يتعرض الوطن لخطر داخلي او خارجي.فيندفع الوطني دون حساب للربح والخسارة الى التضحية بحياته طالباً الشهادة التي ما بعدها بعد ولا قبلها في العطاء الانساني،بينما " المزدوج " يغادر البلاد على اول طائرة طالما ان الوطن الاخر يفتح ذراعيه له و يحتضنه.هنا يتميز المنتمي عن اللا منتمي بان الاول يلتصق بارضه والثاني يطير عن ارض اقامته على اول طائرة مغادرة.انصافاً للحقيقة ان الدولة العربية القمعية الاستبدادية ساهمت في " تطفيش" الكثير من ابناءها بتضييق لقمة الخبز عليهم او مطاردتهم و احياناً قلب حياتهم الى جهنم بتعذيبهم على ايدي عدوانيين مرضى من ابناء جلدتهم،فاضظروا لهجرة اوطانهم بحثاً عن السلامة والحرية. مزدوج الشخصية امره مختلف.
هو ينعم بكل خيرات البلد، وله من المميزات ما تجعله يعيش في جنة الله الارضية.... مال،نفوذ،سلطة،وظيفة عالية محجوزة له سلفاً وهو على مقاعد الدراسة،فيلا انيقة،سيارة فارهة....ورغم كل هذه المكتسبات الصارخة ينظر لوطنه كفندق للاقامة او مشروع استثماري للتجارة.هنا تكمن ذروة الوصولية،وهنا مقتل الدولة.من هنا جاء الخوف من التعديلات الدستورية الاخيرة التي اعطت امتيازات لمزدوجي الجنسية، فاشعلت النقمة الشعبية وخلقت حالة غير مسبوقة من عدم الرضا في الشارع الاردني لا تخطؤها عين ولا تُنكرها أُذن،.
بهذه التمريرة الخطيرة نحو المرمى الوطني،توحي الحكومة للناس كافة،وكأن البلد اجدبت من الخبرات، امحلت من الكفاءات،اصابها عقم في العقول القادرة على مواكبة عصرها،ولم يبق الا الاستعانة بالمزدوجين. الرفض الشعبي يتنامى يوماً بعد يوم رغم الوجبة الاعلامية المسمومة التي تقدمها جوقة من الاعلاميين والسياسيين لتبرير التعديلات الدستورية الاخيرة،ومحاولة غسل سمعة " الازدواجية" من اوساخها بطريقة فجة ساذجة تهين العقول ،وتستهين باصحاب المعرفة.
ولا ادري ان كانت الحكومة تدري او لا تدري بان الاغبياء يدرون ان جوقة الانشاد هذه، معازفها مهترئة و اسلحتها قديمة كمن يتحدث عن مزايا رمح خشبي في مواجهة صاروخ الباليستي...جوقة ممجوجة لا احد يسمعها. وان سمعهما فانه لا يصدقها بل و يلعنها...الكل يعرف انها جوقة اصواتها ناشزة دأبت على خداع الحكومة،تضليل الناس من اجل مكاسب ذاتية رخيصة.
هؤلاء ثرثارون مفطورون على التوسل والتسول،يجهلون ان راس فضائل المعرفة التخلص من الثرثرة،و اهم مقومات الشخصية الواعية :ـ الصمت، الاصغاء،الانتباه،التامل للغوص عميقاً للاحاطة بالحقيقة كاملة لا مجزوءة . دروس التاريخ كثيرة لكن الدرس الابلغ و الاعمق في الوطنية تعلمناه من قدوتنا محمد صلوات الله عليه :ـ " ولكم في رسول الله قدوة حسنة ".
عندما خرج من مكة المكرمة تحت ضغط " لوبي عتاولة الكفر"، نظر اليها كسيراً قبل ان تغرب عن عينيه وقال :" انتِ احب بلاد الله الى الله،و انت احب بلاد الله اليَّ،ولو ان المشركين لم يخرجوني لم اخرج منك........ " . المفكر الاسلامي الدكتور محمد السماك يروي لنا درساً آخر في الدهاء المتبادل بين اليهود والانجليز في مقالة له حيث يقول : ـ في عام 1982 قرر مناحيم بيغن رئيس وزراء العدو تعيين سفيراً لدولة العدوان ( اسرائيل ) في لندن.فاختار مواطناً انجليزياً يدعى " غوبي هافيز ".
عندما قدم " المذكور" اوراق اعتماده للملكة اليزابيت قالت له :ـ هذه هي المرة الاولى في حياتي التي اتسلم فيها اوراق اعتماد مواطن انجليزي سفيراً لدولة اجنبية....في اليوم التالي قام السفير " غوبي" بتسليم جواز سفره الى وزارة الخارجية البريطانية،وحمل جواز اسرائيلي باسمه العبري الاصلي " ايهود افنير" بعد ان كان " غوبي هافيز" .
بذلك خرج "المزدوج اليهودي/ الانجليزي" من ثنائية الولاء وعاد الى يهوديته .فاراح واستراح. فهل يفعلها "اهل التقية السياسية" عندنا ويستلهموا شجاعة غوبي او ايهود. الفيلسوف اليوناني سقراط سجل نهاية اسطورية لحياته ، لم تزل عالقة في الاذهان منذ 400 سنة ـ قبل الميلاد ـ الى يومنا هذا،في الدفاع عن الحقيقة والثبات على الموقف.فقد لفقت سلطات اثينا له تهمة الاثم لانكار " آلهة الدولة الرسميين " ،كانت عقوبتها ان يتجرع كاس سم بيده حتى الموت.
تلميذه الاثير " اقريطون" حضّه على الهرب لان التهمة كيدية.رفض سقراط العرض بشدة قائلاً :ـ ان الفرار ضرب من الخيانة،ومقابلة الظلم بظلم ظلم اكبر منه.لو هربت لن اسامح نفسي لتعلقها بحياة لم يعد فيها نفع يُرتجى،ثم رفع الكاس الى فمه وشربه حتى آخر قطرة من دون ان ترتجف يده،وهو سعيد بالدفاع عن قيمه ومبادئه.نهاية مشرفة لفيلسوف دفاعا عن الحقيقة.قياساً على هذه الواقعة نقول ما اشبه اليوم بالامس اذ ان بلع حبة " زرنيخ قاتلة " اسهل هضماً من تعديلات دستورية " تعبقر " بها دولة الرئيس في الساعات الحرجة .