- يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
- رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
- نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577
حاشية السلطان …الراوي و الرواية !
بقلم الاعلامي .. بسام الياسين
{{{ مهداة الى اخي عبد المنعم النهار الذي عرفته قبل ان اتعرف عليه انساناً يفيض انسانية ووطنياً غيوراً }}}
أُصيب السلطان بعارض صحي اقعده عن الحركة. نوبات شديدة من الالم الممض كانت تنتابه بين الفينة و الاخرى. تمتد احياناً عدة ايام،تقض مضجعه ،وتمنعه من ادارة شؤون البلاد بنفسه.ما أَرقّه وزاد من توتره انه لا يثق باحد من حاشيته رغم الصفات التي يسبغها عليهم ، والهدايا التي يغرقهم بها… يعرفهم اسماً ومعنى…قلباً وقالباً…ظاهراً وباطنا. يقرأ في عيونهم ما يدور في عقولهم.فكلهم سواسية، يدعون الولاء لكنهم في حقيقة امرهم طلاب منفعة…صيادو مصالح . احياناً يُرخي السلطان الذكي لهم الرسن قليلاً ليشبعوا و يعنطزوا حتى لا يفكر احدهم باللعب بذيله بالمحرمات التي رسمها لهم ، لكنهم رغم ذلك ظل الجشع يلازمهم مثل دودة شريطية تعيش في احشاء الوطن من دون ان تشبع.
تشخيص الطبيب الخاص لداء ودواء السلطان،جاء متطابقاً مع تشخيص اللجنة الطبية الاستشارية التي استدعيت على عجل بمستشفى طائر من خارج البلاد،كلفت دافع الضرائب اعباءً اضافية.فدار همساً ان لا حاجة الى الى اللجنة،ويجب الوثوق بالطبيب المحلي. الاعراض واضحة :ـ احمرار في إبهام القدم،إلتهابات في المفاصل ادت الى تآكلها بسبب ارتفاع الـ ” يورك اسد “…انه داء النقرس اللعين الذي يأتي نتيجة الافراط في تناول اللحوم الحمراء،و اطباق الحلويات المعجونة بالزبدة ،ناهيك عن المشروبات الغازية والملونة…الباردة والساخنة.
نصيحة اللجنة والطبيب معاً، ان لا دواء خوفاً على كليتي السلطان من الآثار الجانبية،فيما العلاج يقتصر على حمية صارمة بإشراف إختصاصي تغذية. اصدر السلطان مرسوماً بتغيير العادات الغذائية المتبعة في القصر السلطاني،والتحول الفوري من اللحمة الى السلطة ومن الصواني التي تعوم بالدهون الى الشوربة .واعتماد زيت الزيتون غير المغشوش،فنسبة الزيت المخلوط بزيت الصويا في الاسواق المحلية عالية جداً.اما الشوربات تقتصر على العدس و الفريكة لاحتوائهما على الياف تساعد على سرعة الاحساس الشبع والهضم.
تعليمات مُشددة تحت طائلة العقوبة لمن يقترب من ” الزفر ” .فالسلطان المتمسك بالحياة كما هو متعلق بصولجانه،قاد الانقلاب شخصياً على اركان مطبخه. بدأ بتسريح فريق الطباخين ممن علقت بايديهم رائحة الزفر، ولطخت ثيابهم دم الحيوانات المستأنسة،واستبدلهم بفريق خاص من امهر الطباخين النباتيين.وما هي الا ايام حتى انقلب المطبخ السلطاني من مسلخ لجز رؤؤس الحيوانات الضعيفة الى ما يشبه صيدلية عطارة تعج بالاعشاب و بقالة خضار فيها جناح خاص للفاكهة و قسم خاص للعصائر الطبيعية عوضاً عن المياه الملونة المضرة بالصحة.
تغيرت الوجوه القديمة الكشرة… الرؤوس الصلعاء اندثرت من على المسرح …الهامات البيضاء استبدلت برؤوس من ذوات شعر اسود فاحم و قصات شبابية…الحاشية المنكوبة ـ بالتجميد ـ أُسند لها وظائف شرفية داخل ” السستيم ” لتبقى تحت عين السلطان ولا تُشكل معارضة اضافية،خاصة الحلقة الضيقة من حملة الاسرار الخاصة. لم يبق احد من الطاقم القديم سوى نادل متوسط العمر،التقطته ام السلطان ذات زيارة تفقدية من ” تكية خيرية ” للايحاء بانسانيتها.مذاك تربى في القصر السلطاني،وخلال عمله اثبت اللقيط انه فطن،شديد الملاحظة يلتقطها على الطاير.يعرف ما يدور خلف الكواليس،يقرأ احاديث الشفاه المهموسة.يستقي اسراره من هنا وهناك بذكاء،ويلتقط اخباره من بعض العيون بطرق متعددة منها الرشوة ،الهدايا ،التهديد ،التخويف ، لينقلها الى السلطانه،ويضعها في الصورة الحية لكي لا تغيب عنها طُرفة عين او نأمة لفظة.ما اذهل السلطان والسلطانة اكثر ان اللقيط لم يدخل مدرسة استخبارية لكنها النميمة ، الغيبة،الفسفسة،الايقاع بالآخرين والتشفي بسقوط الاعداء والاصدقاء يسري بدمه.والسبب انه حاقد على الجميع وعلى نفسه لان كل من حوله يتهمه بفساد اصله.
عرفاناً بإخلاصه زوجّته السلطانة واحدة من جناح الحرملك، لتكون ايضاً عينها على جناح النساء… ولكثرة اخلاصه ،اوكلت اليه مهمة مراقبة الطعام و تذوقه، قبل ان يأكل منه السلطان خشية، ان يدس احدهم له السم في حين غفلة.خصوصاً ان البلد تعج بالخصوم.وتتوالد الازمات فيها بمتواليات هندسية.فما ان تخرج من ازمة الا وتدخل اخرى اشد عنفاً و اعمق اثراً….الكل متربص بالكل، سعياً للسلطة،خاصة بعد اشتد ساعد المعارضة،وزاد منسوب النخب الفاسدة التي جلبت نقمة الناس على الدولة، بسلوكياتها الفضائحية وسرقاتها الكبيرة،مع عدم محاسبة اي واحد رغم ان رائحتها فاقت محطات التنقية مجتمعة حتى وصلت الى الصحافة الاجنبية.
خلال اشهر، اخذ السلطان يستعيد حيويته ويتحرر من ثقل وزنه بذوبان تلال الدهون من على بطنه و اردافه ، ما دفعه للانطلاق الى نشاطه السياسي بقوة حتى بدا انه ليس هو. تغير شكله، فظهر اقل من عمره،واستكمالاً للديكور الجديد قالت له السلطانه :ـ عليك حلاقة شاربك،وارتداء ملابس مقلمة،لانها تخدع الرائي فتبدو اطول من طولك…واستبدال الملابس القاتمة العجائزية التي تبعث على الكآبة باخرى شبابية مفرحة.الاهم ان تمارس الرياضة الصباحية للحفاظ على لياقتك،وتجديد نشاطك،شرط لباس السراويل الضيقة لإبراز فحولتك.
في اليوم الاول لبرنامج رياضة المشي الصباحية،لاحظ السلطان اثناء مسيرته في حديقة القصر الخلفية ، ان احدهم،تسلق سور القصر وقفز الى الشارع. هذه القفزة قدحت ذاكرته،وذكّرته بعدة وجوه من افراد حاشيته غابت عن عينيه. وفور انتهاء جولته،طلب سجل الدوام ،وبعد التدقيق ايقن ان غياب بعضهم باسباب كاذبة،وبعضهم الاخر تمارض و ارسل تقارير مزورة، اما الاكثرية فتسربوا من دون استئذان.سأل من حوله عن اسباب التسرب الحقيقية للحاشية التي تربربت في القصر السلطاني،واصبح واحدهم كحيوان الفقمة.جاءت الاجوبة متناقضة وغير مقنعة.فاستدعى رئيس العسس.وطلب اليه وضع كمائن حول القصر لإلقاء القبض على المتسربين بالجرم المشهود ثم استجوابهم للوقوف على الحقيقة من اصحابها مباشرة،بعيداً عن تكهنات وتحليلات المستشارين الفجة.
ما ان ارخى الليل سدوله حتى القت احدى الكمائن القبض على شبح ناحل كالفزاعة، يزحف تحت الاسلاك الشائكة طلباً للهرب.احضروه مقيد اليدين الى رئيس الحرس،فقام شخصياً باستجوابه،وهدده بابشع انواع التعذيب.ابسطها الخوزقة على الطريقة العثمانية او باسلوب فرعون الشد الى الاوتاد عند تعذيب اعدائه،او حُقن الشطة الشرجية والصدمة باللسعات الكهربائية،او اشياء مخجلة على طريقة الاجهزة العربية. ارتعدت فرائص الرجل الهزيل المصفر الذي يبدو كأنه خارج من قبره خوفاً،و طلب كأس ماء بارد،فقد جف ريقه من قائمة التعذيب التي لم تخطر في بال هولاكو وجنده.
تناول الماء بيد مرتعشة، فعرف المستحوب انه مدخن شره من اصابعه و اسنانه الصفراء.اشعل له سيجارة امريكية،زيادة في الطمأنينة حتى يرخي اعصابه ويدلي بكل ما عنده.تناولها الرجل وراح يدخنها بنهم.بعد ان هدأ روعه قال للمستجوب :ـ لا حاجة لتعذيبي كعادتكم في نزع الاعترافات بالقوة.ساكشف سر هربي وسر من سبقني ومن سيتبعني من النخب الفاسدة والمرتزقة.الاعتراف راس الادلة والصدق منجاة . اقسم لك انه { حقيق عليَّ الا اقول على الله الا الحق }.. حضرة العُس ـ مفرد عسس ـ :ـ اننا نخبة فاسدة ،كنا نقتات على موائد السلطان.نُربي كروشنا و نربرب اردافنا من افضاله ـ زاد فضله،وعمَّ خيره،ونصر جنده.قائمة الطيبات اليومية :ـ خراف طرية،عجول رضيعة،طيور محشية،اسماك بحرية منها المقلية والمشوية،اضافة لما لذَّ وطاب من الحلويات،المعجنات،المكسرات،اما المشروبات فانك تكرع منها ما تشاء كأنك جالس على ضفة نهر في الجنة.اشرب ما شئت على مدار الساعة،شرط ـ ان لا تبول على نفسك ولا تصحى ـ…هذا غير الـ menu المستورد من بلاد بره على الطائرة الخاصة.
اما حينما خضع السلطان الى رجيم قاسٍ ـ لا بارك الله في ذلك الشيطان الرجيم ـ،ونجحت الحركة الانقلابية الاخيرة في المطبخ السلطاني.اصابنا الهزال من الشوربة والسلطة المفروضة علينا يومياً…نحن المعتادون على الهش والنش،والغطس في المناسف للأكواع، وتناول الكوارع والنخاع …اسألك بالله ـ يا كبير العسس ـ هل يستطيع الذي يعيش في مطبخ سبع نجوم ان يعيش في مطبخ فقير لا يعرف من اللحمة سوى المرقة المالحة.و فتة الكورن فليكس بالحليب التي لا تصلح الا لعارضات الازياء وليس لرجال وزن احدهم قنطار…نحن يا سيادة المحقق ـ بصراحة ـ لا يهمنا سلطان ذهب ام سلطان اتى….ما يهمنا بطوننا وان تكون جيوبنا عامرة…هذه سياستنا المعتمدة…ولا افضح سراً ان قلت لك :ـ ان كل الالقاب التشريفية التي يمنحنا اياها السلطان لا تساوي عندنا ” هبرة “.
لا تصدق كل ما قيل ويقال غير ذلك…الولاء والانتماء بضاعة كاسدة بالنسبة لنا، و لعبة تنطلي على الغلابا فهم يشترونها كالبطيخة لا يدرون كنهها،اما في حساباتنا لا تسوى تعريفة.هذه المكاشفة الكاشفة و الصدقية المتناهية في منتهى الشفافية.انت عاس ـ مفرد عسس ـ ترى مستقبلك في العصا لمن عصى،اما انا فارى مستقبلي بالارصدة.لا تبيعني وطنية فكلانا مُدان امام الله،و ينخزه ضميره كمهماز اناء الليل و اطراف النهار… لم تكن تحلم بها في حياتك، بمثل هذه المفاجأة …انها كفيلة اذا ما نقلتها بحذافيرها لسلطانك، ان تحصل على ترقية و ” هبرة محرزة” مع وسام تضيفه الى الاوسمة المعلقة على صدرك.
انا بشر لي احاسيس ومشاعر وعندي طموحات ومخاوف. لذا سأروي لك قصة الحواري بطرس تلميذ سيدنا المسيح عليه السلام الذي كان اول من قال له :ـ انت رسول الرب .فأجابه سيدنا عيسى :ـ الحق اقول لك يا بطرس :ـ في هذه الليلة،وقبل صياح الديك ستنكرني ثلاث مرات .فقال بطرس :ـ لن اتركك وان كان عليَّ ان اموت معك …لكنه انكره عندما القي القبض عليه عسس اليهود كما تنبأ سيدنا عيسى عليه السلام.في حالة الرخاء كلنا مع السلطان،لكننا في ساعات الضيق والشدة سننكره وننكر ابوه.نعم لست افضل حالاً من الحواري. اماطة اللثام عن ادعياء الوطنية واجبك،وقدمت لك من المعلومات ما لم تحلم به طيلة حياتك .لذلك حقيق بك ان ترد لي الجميل بان تُطلق سراحي ،ومن حقي البحث عن سلطان آخر ابيعه ولائي و اشبع عنده ” هُبر”.هذه حكاية حاشية السلطان ذوات الشخصيات المطفأة من اولها لإخرها .حكاية مخبوءة وراء قشة صغيرة،تشيلها نملة على ظهرها.فتكشفهم عن بكرة ابيهم.فلا تغرنَّك الهالة الكاذبة التي يحيطون بها انفسهم…؟!!!.