- يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
- رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
- نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577
حُمى “ابو عبده” وتنظير الساسة !
بقم الاعلامي ...بسام الياسين
عاد ابو عبده من مخبزه مبكراً على غير عادته.تلقفته الزوجة على الباب بمزاج مقلوب واستغراب ثم بادرته بلسعة سؤال كالصفعة دون ان تعبأ بمشاعره او تسأل عن الاسباب :ـ ” خير ان شاء الله… راجع بكير “.رد باقتضاب والوجع ينهشه ـ اشعر بدوار شديد كأنني ادور في خلاطة اسمنت، مع حُمى تهزني كعصفور مكسور الأجنحة وسط عاصفة ثلجية. وجهه الاحمر المحتقن مثل نصف بطيخة عرض على كومة بطيخ،ونظراته الزائغة هز قلبها.هذا لم تلحظه من النظرة الاولى.لم تعتذر عن سوء استقبال زوجها المكدود الذي يحرث مثل بغل منذ ليلة عرسه حتى اللحظة.شدة الاعياء دفعت “ابو عبده ” لرمي نفسه فوق اقرب جاعد دون ان يخلع ملابسه المغبرة بالطحين.تحت وطأة الخوف عليه وشعورها بالذنب،جعلها تضاعف العناية به.احضرت بطانية على عجل لتغطية جسده المقرور،وبحركة ذكية تظاهرت بها كأنها عفوية،لمست جبينه،ففزعت من برودته،وهو الفران الذي يواجه النار طوال عمره.يصارع الحياة بجسارة محتملاً مرارتها دون شكوى.هي تعرف انه غاطس في دوامة العمل،كأنه لم يسمع بايام الجمع او يعرف اسماء العطل الرسمية.
وسواس ام عبده القهري،دفعها للتأكد اكثر من حالته الصحية.تصنعت انها تغطي ساقية.لمست اصابع رجله بخفة ممرض مناوب في العناية الحثيثة دون ان يلفت انتباه المريض.اصابعه الثلجية التي لا تصل اليها الدورة الدموية تدل على حالته الحرجة.ودت لو تصرخ باعلى صوتها،علها تحشد اكبر عدد من الجارات، لمشاركتها حفلة لطم و ندب،خصوصاً انها تعاني “فوبيا الفقد”.ففي سن مبكرة فقدت والديها، وعاشت في كنف عمها.الفقد الاكثر وجعاً الذي قصم ظهرها، كان التحاق بكرها عبده باحدى التنظيمات المسلحة و انقطاع اخباره في دولة مجاورة.فانفجرت باكية.
حالة شفيفة حزينة دفعتها لمناجاة ربها :ـ يا رب المعذبين على الارض الى من تكلني بعد ” ابو عبده “؟. من سيطعمني خبزاً ان غاب عني.هو الحنون الذي يُبشع يتامى الحارة خبزاً،ويُوزع المعجنات و القرشلة للارامل صدقة خفية دون ان تدري يمنه عن شماله. انه افضل عند الله من باعة الكلام ودخلاء السياسة.اذآك فتح ابو عبده عينيه نصف فتحة وقال:ـ بلشتِ نق..لسانك زي راس الحية بستنى واحد يلدغه ويفرغ فيه سمه، ترى انا خابزك وعاجنك…مُنى قلبك تطلعي على السطح وتعطيها وصلة “ولولة “. اجابت بانكسار :ـ بعيد الشر عنك يا زلمة…انت زي الحصان…رد عليها و الالم يعصره :ـ ” من هالنومه ما في قومه”. لم تحتمل كلامة وذهبت للمطبخ لإعداد كأس ليمونادة لعله يريحه.
في غيابها،ضربت ابو عبده نوبة حمى قوية.ولما عادت سمعته يهذي كمخمور فقد كوابح عقله:ـ الله يسامحك يابا ، من يوم ما رميتني على نار الفرن، ما شفت بالدنيا يسر البال.بهدلة وقلة هيبة و مصاري بالقطارة.شغل طول النهار زي الحمار.زواجي من ام عبده بالصدفة،ما حدا رضي يزوج فران ضاوي ما معه نكلة.ام عبده اليتيمة رضيت بمسخم مثلي لانها ذاقت الويل عند عمها.كان مستعد يزوجها لمراق الطريق،وزوجة عمها عاملتها مثل كيس نفاية…الشهادة لله تحملتني كثير ـ الله يجبر خاطرها ـ. لكن يابا ما بسامحك لانك طلعتني من المدرسة.
انت بتعرف حلمي كان ادرس علوم سياسية.زعلت وقلت السياسة ببلادنا نجاسة والساسة حرامية.شُغل حكي وتنظير فاضي.وقلت كمان للسياسة بابين:ـ باب الكذب للوصول للمنصب، وباب الصدق بجرجرك للزنزانة وبتعيش عمرك طفران على الحصيرة….يابا لو بعدك عايش كان شفت سلامة الي بشتري رضا الحكومه بسخط ربه” صار وزير وزارة سيادية…و عقاب عامل حاله معارضة مع انه بقبض من عشرين سفارة…النكتة البايخة، امبارح زارني توفيق ” ابو ريالة ” إلي عَمرْ دنياه وخرّب آخرته “،راكب شبح،وسلسال ذهب برقبته مثل كلاب الاجانب قلي:ـ قطعت سبع جبال مشان اشتري من عندك “قرشلة”. الناس بقولوا انها اطيب من “الكورن فليكس” الاجنبي.الزلمة من يومه بعرط…زارني مشان يستعرض برجوازيته… على مين يلي بترقص بالعتمة…بعرفه مطية من ايام المدرسة وبظل مطية ـ .
لحسن الحظ عندما بلغ هذيانه مستويات فاضحة،و ام عبده تستمع وتستمتع بارشيف زوجها اللا شعوري،و اذ بطرقات على الباب.اضطرت مرغمة للذهاب كي تستطلع الطارق،رغم لهفتها لسماع بقية الفضائح السوداء.فكانت المفاجأة ان الدكتور امجد،الزبون المستدام لـ ” الفران ” كان ماراً لشراء ربطة خبز، فاخبره العمال ان ” ابو عبده” مريض، وبما ان البيت ملاصق للفرن جاء للاطمئنان عليه.استأذن بالدخول قائلاً لام عبده :ـ ان زوجك صادق مع نفسه والناس و امين على عمله وماهر في صنعته،هذا ما زاد احترامي له.اسمحي ان اكشف عليه،ومن حسن حظي ان حقيبتي الطبية معي.ردت ام عبده وعلامات الامتنان تطفح على لسانها بارك الله فيك يا دكتور ـ هيك العشم ـ.
وضع السماعة على صدر ” ابو عبده “ثم قاس ضغطه وعد نبضات قلبه،بعدها تحسس جبينه.فتح الحقيبة الطبية واخرج حقنة وقال لام عبده اخلعي بنطاله..قامت بسحب حزامه وتفكيك ازراره ، فصرخ ابو عبده المحموم ” مش وقته يا ام عبده…انا بموت و انتِ بتشلحيني…خليها بعدين “.خجلت ام عبده وانسحبت، فيما اغرق الدكتور بالضحك وقال:ـ ابو عبده انا د كتور امجد،ساعطيك الآن ابرة في الإلية اليمنى،ومساء في اليسرى و اذا لم تتحسن،سانقلك للمستشفى لاجراء عملية “تنظير” لمعرفة علتك…العملية غير مؤلمة تتم بالتسلل من الاماكن المحظورة و لا تأخذ وقتاً طويلا !.
قفز ابو عبده كالملذوغ من حية كوبرا،رافعاً سبابته في وجه الطبيب :ـ دكتور،والله انني افضل الذهاب زحفاً للمقبرة كسلحفاة طاعنة في السن على التنظير…الا يكفينا تنظير الحكومة،النواب،الاحزاب،المعارضة. كله على بعضه، تنظير حكواتية دون زبدة…. التنظير بلا عمل كذبة،ضحك على اللحى…الله سبحانه وتعالى قال في كتابه { …والخيل والبغال والحمير لتركبوها } بينما المُنظّرون جعلونا بالتنظير حميراً لهم…دكتور باختصار،مستقبلنا يكمن بالتغيير لا بالتنظير…ثم صرخ :ـ ام عبده….. غطيني،ترى كله صف حكي ما في فائدة.