- يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
- رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
- نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577
وعد بلفور: 101 عام والخطة الغربية مستمرة في التقسيم
بالتمام والكمال، اكمل وعد بلفور المشؤوم قرنا وعاما منذ اطلاقه في 2 تشرين الثاني 1917، اذ جاء هذا الوعد استكمالا لما بدأه المستعمرون الغربيون في اتفاقية سايكس بيكو في تجسيد لمسعى تاريخي حثيث لتفتيت المنطقة العربية ووضع حجر اساس لمشروع صهيوني مهمته ضرب فكرة الوحدة العربية واجهاضها، وهي المهمة التي تنهض بها اسرائيل حتى اللحظة .
ففي الثاني من تشرين الثاني 1917 اصدر وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور، وعدا مشؤوما باقامة 'وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة' ما اعتبر ايذانا بمرحلة جديدة مختلفة نوعيا في تقسيم الوطن العربي، غداة اتفاقية سايكس بيكو التي كرست التجزئة في الارض العربية ومن ثم إعادة إنتاجها عند كل مرحلة جديدة في صراع الغرب الاستعماري لاستمرار تمزيق الامة العربية.
ويعد وعد بلفور حلقة اساسية في السياسة البريطانية التي اتبعت في البلاد العربية في نهاية القرن التاسع عشر وحتى اليوم. وقد ابتدأ التقسيم رسمياً في المنطقة العربية وتحديدا في منطقة شرق المتوسط مع اقرار اتفاقية سايكس بيكو في العام 1916 مروراً بوعد بلفور في العام 1917 وانتهاء بمعاهدتي سيفر في العام 1920، ومن ثم معاهدة سيفر الثانية في العام 1923، حيث تم تكريس التقسيم الأولي. وبناء على معاهدة سيفر الثانية، قامت فرنسا بالتنازل عن الموصل لصالح البريطانيين لتصبح جزءا من العراق، وعن جزيرة كيليكيا ولواء اسكندرون لصالح الأتراك مقابل إيقاف الحرب التي استمرت ما بين الحلفاء والأتراك حتى بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.
بعد احتلال فرنسا لكل من لبنان وسوريا، وبريطانيا لفلسطين وشرقي الأردن والعراق تم توزيع التركة العثمانية نهائياً. فضلا عن أن الدول العربية التي تقع في شمال أفريقيا كانت قد توزعت ما بين إيطاليا وفرنسا وبريطانيا قبل نهاية القرن التاسع عشر. لم يتوقف التوزيع عند هذا الحد فقط، بل كان لا بد من اتخذ القرار من أجل خلق كيان يعمّق هذا التقسيم، ولينهي ما ابتدأه سايكس- بيكو في المراحل المقبلة. واختيار هذا الكيان لم يكن اعتباطيا أو حتى بمثابة جائزة ترضية لمحاولات اليهود الحثيثة منذ نهاية القرن التاسع عشر من أجل بناء دولتهم المستقلة.
لم تكن فكرة إنشاء دولة يهودية في فلسطين من بنات أفكار اليهود في أوروبا والعالم، بل إن أول من اقترح إقامة دولة يهودية في فلسطين كان نابليون بونابرت، الذي اقترح الفكرة على يهود فرنسا من أجل حثهم على تمويل الحملة الفرنسية على مصر وبلاد الشام 1798-1801. غير أن هزيمة نابليون في العام 1799 في عكا على يد أحمد باشا الجزار بمؤازرة الأسطول البريطاني بقيادة وليام سيدني سميث أنذاك كانت أحد أهم الأسباب التي دعت الى تراجع الحملة، وبالتالي الى فشل أول مشروع استيطاني صهيوني.
وتكشف سلسلة من الوثائق التاريخية 'أنه بالرجوع الى الوثيقة الصادرة عن مؤتمر للدول الإستعمارية عقد في العام 1907، والتي تسمّى بوثيقة 'كامبل بزمان' وجاء فيها: 'إن البحر المتوسط هو الشريان الحيوي للإستعمار لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب، والممر الطبيعي الى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم، ويكمن الخطر المهدد للعالم في هذا البحر. ففي حوضه مهد الديانات والحضارات وعلى شواطئه الجنوبية والشرقية يعيش شعب واحد له وحدته التاريخية والدينية ولغته وآماله، كل مقومات التجمع والترابط والإتحاد، وتتوافر في ثرواته الطبيعية وكثرة تناسله كل أسباب القوة والتحرر والنهوض. ويكمن الخطر على كيان الإمبراطوريات الإستعمارية في تحرر هذه المنطقة وتثقيف شعوبها وتطويرها وتوحيد اتجاهاتها وتجمعها واتحادها حول عقيدة واحدة'.
وعندئذ جاءت توصيتان مهمتان في وثيقة كامبل هما، أولاً: 'إن على الدول ذات المصالح المشتركة أن تعمل على استمرار وضع هذه المنطقة المجزأ والمتأخر وعلى إبقاء شعبها على ما هو عليه من تفكك وجهل وتأخر'. والتوصية الثانية كانت: 'بضرورة العمل على إقامة حاجز بشري قومي وغريب على الجسر الذي يربط آسيا بأفريقيا ويربطهما معاً بالبحر المتوسط بحيث يجب أن تقوم في هذه المنطقة، وعلى مقربة من قناة السويس، دولة صديقة للإستعمار عدوة لسكان المنطقة'. وبالتالي فقد كان بحسب التوصيات أن تكون دولة إسرائيل ما يشكل هذا الحاجز البشري الغريب.
ويرى محللون سياسيون ان استيقاظ المشروع الصهيوني في فلسطين لم يكن فقط بسبب هرتزل والدعاية له، بل إن الأسباب الحقيقية وراءه هو كسب اليهود كحلفاء أقوياء للدول الحليفة في الحرب العالمية الأولى، وتأتي قوتهم كنتيجة للنفوذ الكبير الذي يتمتعون به في الولايات المتحدة الأميركية، والتي لو لم تقف الى جانب الحلفاء (بريطانيا، فرنسا، آيرلندا، روسيا) لكانوا خسروا الحرب مقابل الدولة العثمانية وحليفاتها ألمانيا والنمسا وهنغاريا أنذاك.
وثيقة تاريخية فرنسية تميط اللثام عن ان وكيل وزارة الخارجية الفرنسية ابرق الى زعماء اليهود في فرنسا في العام 1917: 'إن انتصاركم مرتبط بانتصار الحلفاء'.
المحللون يرون ان إسرائيل وتوسعها في الأرض العربية كان ولا يزال مرهوناً بالدعم الغربي والإسناد السياسي والعسكري والإقتصادي الموجه نحو العداء التقليدي الغربي للمنطقة العربية. أي أن وعد بلفور جاء كنتيجة لسايكس- بيكو ولمخطط استعماري هدفه التقسيم من أجل الإبقاء على السلطة للدول الإستعمارية، ولم يأتِ الوعد شعوراً بالعطف على اليهود من قبل بريطانيا كما جاء في نص الوعد.
وقد جاء التنسيق ما بين الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وثيقاً من أجل إيجاد وطن قومي لليهود في فلسطين ويوضح ذلك عبدالله غلوم الصالح في كتابه 'فلسطين في دائرة الفوضى الخلاقة'، الذي يشرح فيه السبب في عدم تطبيق توصيات تقرير لجنة كينغ- كرين، والتي استطلعت الآراء حول تقسيم المنطقة وإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين في العام 1919. فمرد إهمال توصيات اللجنة الأميركية يعود لكون الرئيس الأميركي وود ورد ويلسون ومستشاره إدوارد هاوس كان لهما الباع الطويل في إنشاء دولة يهودية. وبناءً عليه كان وقوف أميركا إلى جانب الحلفاء وتقديم الدعم المالي لهم ضد الدولة العثمانية وحلفائها.
ويؤكد توفيق يوسف حصو في كتابه 'وعد بلفور والحلقة المفقودة'، أنه على الرغم من توصيات وزير الخارجية الأميركي روبرت لاسنغ أنذاك في رسالة وجهها الى ويلسون بعدم إعلان وعد بلفور، إلا أن الأخير أعاد الرسالة الى وزير خارجيته الذي استقال. ولم يكترث ويلسون الى هذه الإستقالة وبقي وفياً لإلتزامه ودعمه لوعد بلفور حتى وفاته في العام 1920، مع أن دراسات عديدة كانت تقول إن مرض ويلسون منعه من اتحاذ موقف يتماشى مع مبادئه الأربعة عشر والتي تدعو الى حرية الشعوب في النضال ضد المحتل وتقرير مصيرها، وهذا لم يكن سوى 'ضحك على اللحى'، إذا جاز القول.
المحللون راوا ان شنق شهداء السادس من أيار 1916 أتى ممنهجاً ليصب في خانة القضاء على زعماء الحركة العربية التي قامت ضد الأتراك وعلى الأخص رجال المؤتمر العربي في باريس في العام 1913. كما يستنتج أنه منذ اتفاقية سايكس بيكو لم تكن قضية فلسطين بالأساس مسألة إقليمية منفصلة، بل هي في الحقيقة جزء من قضية أكبر هي قضية سوريا كلها وقضية المشرق العربي في حاضره ومستقبله. فقد كانت اتفاقية سايكس بيكو هي المفتاح لوعد بلفور ومفتاحاً للحركة الصهيونية كي تخترق الجدار العربي ولتكون محصلة الصراع الإستعماري البريطاني- الفرنسي على قناة السويس والألماني على الخط الحديدي برلين- بغداد - البصرة.
ويخلص المحللون الى ان الخطة الغربية الاستعمارية ما تزال تجري حتى اليوم من أجل تعميق التجزئة وتطبيق بنود اتفاقية سايكس بيكو كما جاءت.
وتقتضي المعاهدة بتقسيم العراق الى دول عربية (سنية وشيعية) ودولة كردية، أي تقسيم إثني وطائفي، وتقسيم سوريا الى ثلاث دول درزية وسنّية وعلوية، ودولة مسيحية في جبل لبنان ودولة شيعية في جنوبه ودرزية وأخرى سنية وخامسة علوية.
على أن تقسّم مصر الى دولتين مسلمة وقبطية (تقسيم طائفي)، والسودان إلى دولتين عربية في الشمال ودولة زنجية مستقلة في الجنوب. هذا إضافة الى دولة بربرية في المغرب العربي، وهكذا دواليك.
(بترا)