- يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
- رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
- نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577
قصور وقبور وجحور
الكاتب .. بسام الياسين
(غازي ابو نايف:اخُ لي لم تلده امي وحبيبُ أَثير يسكن اوسع حجرات قلبي)
*** في الاردن معادلة غريبة،تركيبتها متناقضة. اطرافها مواطن جائع مقموع،لا يملك إلا خبزه كفاف يومه. هذا ان وجد عملاً يقتات منه. يقف في الضد منه متخمُ قامع يملك اضعاف حاجته.الأول مسحوق يمضي عمره يرزح تحت وطأة الضنك الى ان يموت قهراً،بينما الثاني يقضي أيامه مضغوطاً يعاني من ارتفاع ضغظ التخمة،لينتهي بضربة كولسترولية قاضية تؤدي به الى جلطة قلبية او سكتة دماغية.
*** اطرف ما عندنا عندما "تطلع ريحة" حرامي من العيار الثقيل ،و تصبح سيرته قضية راي عام،ومضغة على رؤوس الاشهاد و الاقلام، يمسرح له ـ ابناء الحلال ـ محاكمة صورية او تسوية شكلية، يدفع بعدها من "الجمل اذنه" او يقضي محكوميته بقصره على شاطىء العقبة. الثابت ان الجائع والقامع يجمع بينهما البحث عن وظيفة.الاول يحصل عليها "بطلوع الروح" كي يسد بها رمقه،ويحفظ ماء وجهه من ذُل السؤال. لذلك فانه مُجبر على التعايش معها ـ كالمرض المزمن ـ وبرمجه نفسه ليعتاش عليها بالتنقيط في حلقه كـ "ريّ" المزارع البعلية الصحراوية بالقطارة.لهذا عنده اهمية كبيرة للفراطة المعدنية،فاعاد مرغماً الهيبة للقرش والشلن والتعريفة،مع ان هذه الفئات النقدية انقرضت ،وانتهى زمانها .
*** الثاني المُرّفه "ابن الاكرمين"، تأتيه الوظيفةُ الى حضنه مقشرة،حين يكون على مقاعد الدراسة كجائزة ترضيه له و للذين "خلفوه" كغنيمة وطنية، تخضع للمحاصصات العائلية. حيث تصبح الوظيفة المكتسبة دابة يعتلي ظهرها،فيما الوزارة، المؤسسة، الدائرة مزرعةً يتطوّس فيها كطاووس ينفش ريشه على الآخرين،ويديرها بعقلية المغامر الذي يبحث عن ربح سريع. يخطط بفكر قائد مهزوم،فيُسقط الطهارة الوظيفية،ولا يلتزم بالقسم،حيث يضع خطة للهرب لا الهجوم قبل بدء المعركة،ليهرب بـ "الجمل بما حمل"،ولا يخطر بخاطره زرع جذوره في الارض، لتطوير الاداء وتحسين اوضاع العاملين،ورفع سوية الانتاج لانه غير منتمٍ ابتداءً.
*** لذلك تراه في اقطاعيته الوظيفية،يقولب القانون ليصبح قانوناً مطاطياً يتساوق مع رغباته. يمطه متى شاء،ويُقّصره حين يشاء،فيتحكم برقاب الموظفين كجزءٍ من موروثاته.جُلَّ همه التركيز على المظهر لا الجوهر،لذا يعبث بالمال العام،ويتلاعب به دون خوف من مُساءلة لغياب الرقابة وسُبات البرلمان عن المحاسبة.فتكاثرت فضائح شخصيات الصف الاول زرافات ووحدانا، حتى زكمت الانوف كمحطات تنقية تتربع على اكتاف الطرقات السريعة، لتبخ عطورها الكريهة على الناس من دون ان يفكر صاحب الحل بادنى حل .
*** بقاء الوضع المقلوب مقلوباً،اوهم السُذج من العامة ان الاصل في الاشياء النتانة،والاستثناء هو الاصالة. فتزوير الوقائع اصبح سمة اصحاب القرار في مسرح اللامعقول.عودة لقرآءة التاريخ تؤكد ان الفراعنة بنوا الاهرامات قبل سبعة الآف سنة على قواعد هندسية وأُسس رياضية مُحكمة حتى صمدت لليوم، بينما عباقرتنا قلبوا الهرم على راسه،واشتغلوا عكس المعادلات الهندسية والنظريات الحسابية في مخالفة صريحة للمنطق والعقل.ولان الارقام والقواعد والمعادلات لا تحتمل العبث،عن سابق قصد او جهل فاعطبوا جهاز مناعة الدولة،خاصة عند تعويم الحثالة وتسليمها زمام القيادة .ما ادى لفتك الامراض المزمنة في القطاع العام. فلم تعد تنفع في علاجه المضادات الحيوية ولا إعادة الهيكلة الوظيفية. فغابت هيبة الدولة بعد سقوط الطاعة العمياء منذ سقوط الاحكام العرفية،وتلاشي جدوى الضرب بالعصا لمن عصى.
*** الشوارع الأردنية تنزف وجعاً،وتغرق جوعاً،وتتنفس ظُلماً.و اذا التقطت مواطناً بصورة عشوائية عن احد الارصفة، و فتحت صدره،وشققت عن قلبه،لمعرفة سره،فستدهش من مدى حقده على السلطة،و كراهيتة للحكومة و إشمئزازه من رجالات المرحلة. تراه يجتر بغضاءهم صمتاً مثل جمل استهلك ما في سنامه منذ عقود "خزين" احترامه لهم،لانه لم يرَ منهم الا الظلم و العسف. لذلك غارت المياه في جوف الارض،ودب القحط على ظهرها،وتكاثر ّالجراد فوقها،جراء غضب الرب على فساد أُولي الامر.فاضطر المواطن الغلبان الى انفاق مدخراته وبيع ارضه،وراح يتسول المكرمات التي لا تليق بكرامته. و اذا استأمنته على سره وأمَنِكَ، انفلت لسانه من عقاله،فاسمعك، مرذول الكلام عن مباذل اسوأ الانام ممن جردوه آدميته وسرقوا مستقبله.
*** داهمتني المقالة، و انا أُشاهد الرئيس المخلوع حسني مبارك مبطوحاً جثة هامدة،ممددا على سريره مثل جيفة مقززة،مكسور عظمة الفخذ بعد سقوطه بالحمام،فخطر لي قول ابن تيمية العالم الجليل :"اذا اراد اللهُ ان يُسقط حاكماً اسقط مهابته من قلوب الناس"،وجاء سقوط مبارك مضاعفا من القلوب و في مكان دنس.
*** لهول الواقعة،أنطلقتُ مسبحاً الله العلي العظيم بما الهمني به من فطرة الذكر بالقول :" سبحان مَنْ أَسقطك،وقصمَ ظهركَ،حتى صار سريرُكَ نعشكَ،ونقالةَ الاسعافِ عرشكْ.سبحان من حَملكَ،من واسعِ قصركَ الى ضِيقِ سجنكَ،ومن شمسِ عزكَ الى رطوبةِ زنزانتكَ.وهبط بإسمك من سيادة الرئيس الى المخلوع الخسيس.سبحان من أَذلك بكسر ضلعك في حمام يبول فيه الانام، لتكون درساً وعبرةً للحُكام، من اهل الظُلم و اولاد الحرام . سبحان من جرجرك و ابناءك اللئام من موقع الآمر المُستعلي الكبير لمتلقٍ ذليل امام "اومباشي" صغير.إلهي سبحانك ما اعظمكْ،و جلَّ شأنكَ ما اعدلك. قال الله تعالى: "ولا تعجبك أموالهم و اولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا...".
*** العجب العُجاب، ان دستورنا الاردني "ابو القوانين"، ينص على كفالة الدولة لسكن كريم للمواطنيين، لكن المقوننين انحازوا لذوي الرتب الرفيعة،والمناصب الغليظة من المترفين و اهل البذخ و الجخ والسلطة العريضة،ورفعوا الاسعار،وضَّيقوا الحياة و حَرّموا الاسكان على الأغلبية المهدودة المكدودة التي تقاتل من اجل لقمة عيشها.الادهى ان الحكومات اسلمت مفاتيح الغذاء وخزائن الدواء،وحقوق الاستيراد والتصدير الى طغمة فاجرة من التجار الجشعين من اهل الاحتكار.الانكى انها فَعَلَتْ قانون"المالكين والمستأجرين " خدمةً لاصحاب الملايين من اجل مطاردة سكان القبور،فيما رمت قانون "من اين لك هذا؟" الذي يدين اصحاب الايادي الطويلة،و الارصدة المنهوبة في سلة المهملات كي لا تزعج سكان القصور.
*** على ذكر سيرة القصور و اصحابها، فان لها في حياة الاردنيين قصصاً و حكايا لابد من فتحها،وإماطة اللثام عنها.ففي سالف الزمان، كان الناس قبل عصر الكهرباء،يسهرون على ذُبالة مصابيح الكاز و القنابير و"ضو الحصادين".وكانوا يتسامرون في ليالي الشتاء الطويلة بسرد حكايا البطولة والرجولة،وكيف ان ابا فلان سحب الضبع من اذنه من قلب المغارة.كذلك كانوا يقصّون القصص الشيقة عن قصور الف ليلة وليلة التي لم يروا مثلها في المنام ،كنوع تعويضي من الخيال لاشباع الفقر مع ما يتخلل تلك القصص من مبالغات احيانا و هشت طريف احياناً اخرى، لاجل التحايل على ساعات الليل البطيئة، والبرد القارس، والجوع الضاري .
*** اليوم اصبح الخيال حقيقة ماثلة للعيان،وبالرغم من وجود الكهرباء،ومسلسلات التلفاز،فانهم عادوا يتحدثون عن القصور الخرافية،رغم الفقر المدقع والمديونية المُرهقة،تلك التي تقع على ميمنة وميسرة طرقاتهم، في غدوهم ورواحهم، وعلى مرمى نظراتهم من نوافذ قبورهم. يشاهدونها تنتصب امامهم في كامل فخامتها،الذي شيّدها المحظوظون من جيوب العامة،وعرق كفاحهم،ومدخرات ضمان شيوخهم،ورواتب تقاعد اراملهم وحقوق اليتامى القاصرين،لتنعم بها شريحة ضيقة "من عظام الرقبة وقليلي الدين"،مع انهم لم يقدموا شيئاً يُذكر للوطن،او عملاً يتذكرهم به المواطن.،و لا احد يعرف عن خوارق هذه الشريحة الطفيلية التي امتصت دم الاكثرية،او فعلة من أفعالها الاعجازية ،ومعجزات إنجازاتها،وعظيم فتوحاتها،وخبايا اسرارها،و قدراتها على تحويل المعادن الخسيسة الى ذهب ثمين،والورق الرخيص الى عملة صعبة،و نقلها للخارج برشاقة الحواة،وخفة السحرة.
*** عودٌ على بدء الى قصص القصور الشهيرة،التي شغلت الرأي العام الاردني،فقبل وفاة المرحوم الملك حسين بقليل،إشتغل الاردنيون بقصة قصر شخصية اثارها الامير الحسن حينما كان ولياً للعهد،حول مدى أحقيتها بامتلاك قصر بالملايين مع انه لم يحرر الاقصى ولم يطهر قبضة طين من فلسطين.الثانية قصة القصر المحاذي لمدرسة البكالوريا التي اثارها الدكتور ممدوح العبادي تحت قبة البرلمان،اما الثالثة قصة قصر رئيس الديوان الملكي الاسبق الذي كشفته صحيفة العرب اليوم . السؤال المستحيل من اين اتى الوزير والسفير والرجل النحرير وحتى الامير بقصور اكلافها بالملايين؟!.السؤال الاكثر برآءة ما بين هذا و ذينك وذاك القصر عشرات القصور لا احدُ يعرف كيف شُيّدت الا الله والراسخون في علم اللصوصية،فكيف رُفعت بقدرة قادر وحارتنا ضيقة يعرف بعضنا بعضا؟!. سؤالنا المعجزة:منذ متى كانت الوظائف تبني قصوراً، بعد اصدار دائرة الافتاء جواز اعطاء الموظف الزكاة و اجازة قبوله الحسنة،و جواز التصدق عليه،و الشحدة له في المحافل الدولية،والتسول به في الدول النفطية ؟!.
*** في تاريخنا الاسلامي المُشرف، قصة جديرة بالاهتمام،بطلها الصحابي الجليل سعد بن ابي وقاص،بطل معركة القادسية،فاتح بلاد فارس،احد فرسان العرب المغاوير والمبشرين بالجنة،وثالث ثلاتة في الاسلام.لمع نجمه بانه اول عربي رمى سهماً في سبيل الله .برع في تسديد سهامه الى صدور اعداء الدعوة. وصاحب الدعوة المستجابة التي دعا له بها رسول الله : ( اللهم سدد رميته واجب دعوته) كان اكثر المقربين الى قلب الرسول،يداعبه قائلاً :"هذا خالي،فليرني امرؤُ خاله".
*** كل هذه المزايا و المناقب والمواقف،لم تشفع له في مدرسة الخليفة العادل عمر بن الخطاب.وسعد هو...هو.. النقي التقي الطاهر العلم الفارس العفيف النظيف.فبعد أن استكمل فتوحاته وانتصاراته على الفرس، واستتب له الامن، بنى لنفسه منزلاً في الكوفة،فأطلق الناس على البيت "قصر سعد". وصل الخبر الى ابن الخطاب،فأرسل اليه الصحابي محمد بن سلمة، وحمّله كتاباً شديد اللهجة،وأوصاه بحرق باب سعد،ولما وصل الكوفة نفذ الصحابي مهمته،وحين اشتعلت النار بالباب خرج عليه سعد.فسلمه رسول الخليفة الكتاب :" بلغني انك بنيت قصراً واسعاً،اتخذته حصناً،وجعلت بينك وبين الناس باباً وحجابا،وتضيف بعض الروايات ان الخليفة سأله:هل قصرك في الكوفة ام الكوفة في قصرك....؟!.
*** هكذا كان اسلوب عمر بن الخطاب الرقابي في محاسبة الولاة والقادة.لذلك قال العارفون بالله وخاصته :إذا وُسِدَ الأمرُ الى غير اهله فأنتظروا الساعة".والواقع يؤكد،أن علامات الساعة اخذت بالظهور،و أشراطها بدأت تلوح في الافق،لأن مقاليد الحُكم سُلمت الى غير اهلها،اذ ان رجالات النخبة ،اصبحوا لعنة على الدولة،ومضغة تلوكها الالسنة.ما يسم البدن اننا جميعاً نعرف،ان لكل واحد من هؤلاء خلف اسوار قصره قصة مخزية من الفساد،وهناك قصص مُحرجة نَتحَفَظَ عليها،ونحتفظ بها لحين موعدها.وفي ذاكرة كل اردني مَظْلَمة يجب ردها .
*** ان الساعة آتيةُ لا ريب فيها،وإن غداً لناظرهِ قريبُ".حينذاك سنلتقط اللصوص، بالملاقط ومحارم "الفاين" كالفئران من جحورهم لتقديمهم لمحكمة الشعب،كي ينالوا جزاءهم العادل على سوء افعالهم،و ما اقترفت ايديهم.،فعبقرية الامة في لسانها،وما نقوله في السر نقوله في العلن لان سرائرنا وعلانيتنا متطابقتان.
*** النفاق و الازواجية والمداهنة والرقص على الحبال سلبيات ليس لها مكان في قاموسنا.و بما اننا لا نملك شيئاً بعد تجريدنا من ابسط حقوقنا في العمل والسفر والحياة الكريمة في زمن الاحكام العرفية ،و لم تزل اثارها عالقة بنا حتى اليوم. فاننا لا نخشى احداً فنحن حُماة الكلمة وسدنتها،نكتبها بنور ضميرنا ، وندمغها بخاتم صدقيتنا،مختتمين مقالتنا بحمد الله على اننا سنخرج من هذه الدنيا الفانية كما خرج الصحابي ابو ذر الغفاري قائد اول مظاهرة للجياع ـ بنصف كفن ـ . فيا الله زهدّنا بما يشغلهم عنك،وكبّرنا بذل الطاعة اليك، ولا تُصّغرنا بالعنطزة الفارغة،و النطنطة الفاضية مثلهم،واجعلنا من اهل القران،اهل الله وخاصته ؟!.
مصطفى العوامله28-06-2014
محمد القريوتي25-06-2014