• رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
  • نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577

سيناريوهات ما بعد عودة الروح لـ"غولدستون" واحتمالية تعليق عضوية إسرائيل

صفحة للطباعة
تاريخ النشر : 2009-10-17
1444
سيناريوهات ما بعد عودة الروح لـ"غولدستون" واحتمالية تعليق عضوية إسرائيل

رغم أن تقرير جولدستون لم يحصل على الأغلبية المطلقة في الجلسة الاستثنائية لمجلس حقوق الإنسان التي كانت من شأنها أن تحيله مباشرة لمحكمة الجنايات الدولية ، إلا أن هذا لا يقلل من أهمية إقرار التقرير وتفويت الفرصة على إسرائيل هذه المرة للإفلات من العقاب.

 صحيح أن الطريق بات شاقا وليس سهلا كما في المرة الأولى ، إلا أن وجود الأمل أفضل بكثير من ضياعه كلية ، وهناك فرصة مؤكدة للإسراع بتقديم مجرمي الحرب الإسرائيليين للمحاكمة وتجنب الفيتو الأمريكي المتوقع في مجلس الأمن وذلك من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة حاليا في دورتها السنوية.
 
فتقرير جولدستون أوصى بإحالة نتائجه إلى مدعي المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إذا لم تجر إسرائيل وحماس تحقيقات ذات مصداقية خلال ستة أشهر ، كما دعا التقرير كذلك كافة الأطراف المعنية بما فيها أجهزة الأمم المتحدة إلى ضمان تطبيق التوصيات ، أي أن مجلس الأمن والجمعية العامة والمحكمة الجنائية الدولية معنية بتنفيذ توصيات التقرير.
 
وإذا تم استبعاد مجلس الأمن بسبب الفيتو وتم استبعاد المحكمة الجنائية الدولية لإجراءاتها المعقدة ، فإن الجمعية العامة تبقى الخيار الأنسب والأسهل ، ورغم أن البعض يشير إلى أن قراراتها غير ملزمة ، إلا أن هذا الأمر مردود عليه ، فهى تمتلك الكثير من الأدوات الفعالة وهناك سوابق تاريخية تؤكد هذا الأمر.
 
فميثاق الأمم المتحدة ينص على أنه للجمعية العامة حق إقرار استخدام القوة لأغراض إنسانية بموجب القرار "متحدون من أجل تعزيز السلام"، وهو القرار الذي يسمح للجمعية العامة بتناول موضوع هو من تخصص مجلس الأمن في حالة تعذر اتخاذ القرار في المجلس ، كما أنه من حق الجمعية العامة تشكيل قوات لحفظ السلام إذا ما توفرت الإرادة السياسية لذلك، وهو ما قامت به في أزمة قناة السويس بحيث كانت أول قوة أممية لحفظ السلام.
 
وعلى الرغم من وجود المادة 12 التي تمنع الجمعية العامة من تولي ملف مطروح للنقاش في مجلس الأمن ، فإن محكمة العدل الدولية رأت أن هذه المادة 12 أدخلت عليها تغييرات من حيث الممارسة والتطبيق ، وهذا ما تم اعتماده في قضية الجدار العازل في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، حيث طلبت الجمعية العامة رأيا استشاريا بخصوص بناء الجدار ، كما قامت بإقرار تأسيس لجنة لتقصي الحقائق مثلما فعلت بخصوص مجازر مخيم جنين، إلا أن إسرائيل لم تسمح للجنة بالقيام بعملها.
 
ويبقى الأمر الأهم وهو أن الجمعية العامة بامكانها اتخاذ قرار بإقامة محكمة جنائية خاصة بناء على المادة 22 من ميثاق الأمم المتحدة مثلما تم من قبل بخصوص تأسيس المحكمة الجنائية الدولية في يوغسلافيا السابقة.
 
فبعد إقرار "جولدستون" ، يمكن للمجموعة العربية بالأمم المتحدة مطالبة الجمعية العامة بتشكيل محكمة جرائم حرب لإسرائيل بموجب المادة 22 من قانون الأمم المتحدة التي تنص على أن الجمعية العامة بصفتها تابعة لهيئة الأمم المتحدة بإمكانها تشكيل محكمة منبثقة عنها ومن أعضائها عندما ترى ذلك ضرورياً من أجل استمرار أداء وظيفتها.
 
هذا بالإضافة إلى أنه يمكن للجمعية العامة اتخاذ قرار بتدوين الأضرار المترتبة في سجل ، على غرار ما تم بخصوص الجدار العازل ، وذلك بهدف مطالبة إسرائيل فيما بعد بالتعويض عن الأضرار المترتبة عما تم في غزة خصوصا وأن تقرير جولدستون نص على صندوق تعويضات لضحايا المجازر الإسرائيلية ، وهناك تجربة ما حدث للعراق بعد غزوه للكويت في صيف 1990 من تشكيل لجنة تعويضات تمكنت تاليا من إنفاق مليارات من الدولارات من أموال العراق ودفعتها للجهات المتضررة أفرادا وشركات خاصة أو عامة ودولا.
 
ولا ننسى في هذا الصدد أن اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية كانت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2391 المؤرخ في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 1968.
 
وهناك نقطة جوهرية فيما يتعلق بتحريك تقرير جولدستون بعد التصويت عليه وهو قراري المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة 1074 المتخذ في 28 تموز/يوليو 1965 و1158 المتخذ في 5 آب/أغسطس 1966 بشأن معاقبة مجرمي الحرب والأشخاص الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية ، وبالنظر إلى أن المجلس منعقد حاليا بالتزامن مع الاجتماعات السنوية للجمعية العامة ، فإنه لا صعوبة في اعتماد تقرير جولدستون وإيداعه لدى المحكمة الجنائية الدولية .
 
بل إن تقرير جولدستون في حال تكثفت التحركات الدبلوماسية العربية قد يؤدي إلى تعليق عضوية "إسرائيل" في الأمم المتحدة بما فيها الجمعية العامة للأمم المتحدة وكل المؤسسات التابعة لها ومكوناتها وأعضائها مثلما حدث مع حكومة يوغسلافية السابقة بسبب جرائمها ومذابحها ضد المدنيين وكذلك ما تم تطبيقه على الحكومة العنصرية البيضاء لجنوب إفريقيا لممارستها التمييز العنصري ضد الأفارقة السود .
 
فمعروف أن قبول إسرائيل عضواً في هيئة الأمم المتحدة كان مشروطاً بقبولها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 حول التقسيم والوصاية الدولية على القدس وكذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 حول حق العودة للفلسطينيين واتفاقية جنيف الثالثة والرابعة سنة 1949 وقوانين حقوق الإنسان 1907 وجميع القوانين الدولية ذات الصلة ، بالنظر إلى أن تقرير جولدستون أكد انتهاك إسرائيل لكافة القوانين الدولية ، فإن الجميعة العامة في حال خلصت النوايا بإمكانها معاقبة إسرائيل وتعليق عضويتها .
 
حقائق غائبة
 
أما بالنسبة لما يتردد عن إدانة التقرير لحماس ، فإن هناك بعض الحقائق غير الواضحة في هذا الشأن ، فالتقرير يوفر الأسس القانونية لملاحقة الضباط والقادة الإسرائيليين بتهم جرائم الحرب ، وهذا ما ظهر واضحا في بنوده حيث "اتهم" إسرائيل بارتكاب "جرائم حرب" وربما "جرائم ضد الإنسانية" في الحرب التي شنتها على قطاع غزة أواخر العام الماضي ومطلع العام الجاري ، وفي المقابل ، تضمن اتهامات، وإن كانت محدودة، إلى "الفصائل المسلحة" في غزة بـ"التورط في جرائم حرب" عبر قصفها للمدنيين الإسرائيليين.
 
إذن التقرير اتهم إسرائيل صراحة بارتكاب جرائم حرب ، أما بالنسبة للجانب الفلسطيني فإنه لم يؤكد هذا الأمر كما لم يتهم حماس صراحة واكتفى بالإشارة فقط إلى فصائل مسلحة .
 
وحتى بالنسبة لمن يزعم أن غزة لم تعد محتلة بعد أن انسحبت منها القوات الإسرائيلية في عام 2005 ، ترد فيرا جولاند دباس أستاذة القانون الدولي بمعهد جنيف للدراسات الدولية العليا والتنمية بأنه ليس من حق إسرائيل أن تعلن من جانب واحد أنها لم تعد محتلة لقطاع غزة ، وحتى مجلس الأمن أوضح بأنه ليس من حق إسرائيل أن تغير طبيعة الأراضي التي تحتلها، هذا بالإضافة إلى أنها تفرض رقابة على القطاع وبإمكانها أن تعود لاحتلاله في أي وقت .
 
كما أنه بما أن إسرائيل قوة احتلال ، فإن القانون الإنساني الدولي يفرض عليها جملة من الإجراءات مثل التفريق بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية ، وثانيا عدم إلحاق أضرار غير ضرورية ، وهناك أيضا مبدأ التناسب في استعمال القوة وفي ضرورة استعمال القوة، وعدم ارتكاب الانتهاكات الخطيرة التي ينص عليها القانون الإنساني الدولي، وبالأخص معاهدة جنيف الرابعة.
 
وعن حق الدفاع عن النفس المنصوص عليه في القانون الدولي وفي المادة 51 من الميثاق ، تقول الأستاذة فيرا جولاند دباس خلال مقابلة مع الإذاعة السويسرية : "هو بند يخص الاعتداء الذي تقوم به دولة فقط، ويستثنى الاعتداء الذي تقوم به أطراف غير حكومية، وهذا ما تم تأكيده من قبل محكمة العدل الدولية في حالة الجدار العازل وفي حالة الصراع بين الكونغو الديمقراطية وأوغندا".
 
وأشارت إلى موقفين في صالح الجانب الفلسطيني ، الموقف الأول من منطلق قانون الحرب وهو رفض حالة الدفاع عن النفس لأن الرد يتم على طرف غير حكومي ، والموقف الثاني هو أن فلسطين لها وضع دولي خاص لأنها تحت الاحتلال وبالتالي فإن الشعب الفلسطيني يحظى بحماية القانون الدولي وحماية البروتوكول الإضافي لمعاهدات جنيف لعام 1977.
وبناء على ماسبق ، لا يمكن قبول حق الدفاع عن النفس مثلما تزعم إسرائيل لأن الرد لم يكن متناسبا ولأن القذائف البدائية التي تطلقها حماس لا تبرر هجوما عسكريا.
 
والخلاصة أن هناك إنجازا فلسطينيا وعربيا تحقق على أرض الواقع ، فتقرير جولدستون يوفر وللمرة الأولى فرصة ذهبية لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين ، كما أنه قد يردع إسرائيل عن التفكير في مغامرات عسكرية جديدة في غزة .
 
وبتصحيح السلطة الفلسطينية الخطأ الذي وقعت فيه عندما طلبت تأجيل مناقشة هذا التقرير في جلسة 2 أكتوبر ، فإن آفاق المصالحة الفلسطينية قد تكون قريبة أكثر من أي وقت مضى.
 
ضربة قاسية لإسرائيل
 
وكان مجلس حقوق الإنسان أقر في 16 أكتوبر / تشرين الأول تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها الأمم المتحدة للتحقيق في اتهام الجيش الاسرائيلي بارتكاب "جرائم حرب" في قطاع غزة خلال العملية العسكرية "الرصاص المصبوب" التي شنتها القوات الإسرائيلية على القطاع الفلسطيني الشتاء الماضي.
 
وجاءت الموافقة على التقرير، الذي قدمه القاضي الجنوب إفريقي السابق، ريتشارد جولدستون، بموافقة 25 دولة من بين أعضاء المجلس البالغ عددهم 47 دولة، ومعارضة ست دول، في مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، فيما أعلنت 11 دولة ، من بينها بريطانيا ، تحفظها على التقرير.
 
وفي بداية الجلسة الصباحية لمناقشة التقرير والتصويت عليه، طلب المندوب الفرنسي تأجيل التصويت لإجراء مزيد من المشاورات، وتم التأجيل لنحو نصف ساعة، وبعد عودة الجلسة للانعقاد حاول المندوب نفسه التأجيل إلى ما بعد الظهر، ولكن مندوب مصر اعترض على طلب تمديد التأجيل.
 
كما دعا مندوب باكستان إلى التصويت على التقرير دون تسييس الموضوع، بينما رفض المندوب الأمريكي ما وصفه بالتعجل في إصدار قرار من مجلس حقوق الإنسان قبل منح الدول الفترة الكافية لدراسة التقرير ، وجدد السفير قلق بلاده تجاه بعض النقاط في تقرير جولدستون ، معتبرا أنه فشل في تحديد طبيعة النزاع وكان منحازا ضد إسرائيل.
 
هذا فيما أعلنت البرازيل تأييدها للتقرير بعد أن كانت ألمحت إلى عدم التصويت لصالحه ، بينما أعلنت كل من سلوفينيا والأوروجواي امتناعهما عن التصويت.
 
وقال السفير الفلسطيني إبراهيم خريشة في كلمته أمام المجلس :" لسنا هنا لإدانة احد ولكن للمطالبة بتطبيق القانون الدولي والإنساني ، الشعب الفلسطيني لن يقبل بأقل من معاقبة القتلة والمجرمين".
 
ومن جانبه ، قال مصطفى البرغوثي الأمين العام العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية في تصريح لـ "بي بي سي" إن الجانب الفلسطيني خاض "معركة شرسة" للحصول على أكبر عدد من الأصوات المؤيدة لمشروع القرار.
وأضاف أن هناك ضغوطا أمريكية وإسرائيلية مورست على بعض الدول لرفض التقرير أو على الأقل الامتناع عن التصويت.
 
وقوبلت الموافقة على التقرير بردود أفعال مرحبة من قبل السلطة الوطنية والفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" والدول العربية والإسلامية وحركة عدم الانحياز واعتبروه انتصارا كبيرا ، هذا فيما أثار القرار غضب الوفد الإسرائيلي الذي غادر قاعة الاجتماع قبل التصويت وأعرب عن رفضه للتقرير، واصفا إياه بـ"عدم التوازن"، كما زعم أنه "يضر بجهود إحياء مفاوضات السلام" مع الجانب الفلسطيني.
 
والبداية مع رد الفعل الفلسطيني ، حيث أعلن الناطق الرسمي باسم رئاسة السلطة الوطنية نبيل أبو ردينة أن السلطة ترحب بنجاح التصويت على التقرير وقال إنه يعتبر تأكيداً على الموقف الدولي الداعم للحقوق الفلسطينية ، داعيا إلى متابعة تنفيذ توصيات التقرير بفعالية حتى يكون سابقة تحمي الشعب الفلسطيني من الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة بحقه ، كما أعرب صائب عريقات رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير عن أمله في متابعة التقرير في مجلس الأمن الدولي.
 
ومن جانبه ، أعلن المتحدث باسم حماس سامي أبو زهري أن الموافقة على تقرير جولدستون "خطوة جيدة وفي الاتجاه الصحيح"، معتبراً أنها تؤكد أيضاً على صحة موقف الحركة حينما أدانت التأجيل السابق بناء على طلب السلطة في رام الله.
 
وأضاف قائلا :" إن ما جرى يثبت أن الأغلبية كانت متوفرة بالفعل لتمرير التقرير، وأننا لم نكن بحاجة إلى كل ما حدث حتى تعود الأمور إلى نصابها الصحيح".
 
وشكر في هذا الصدد كل الدول التي وقفت إلى جانب التقرير وأعلن أن حماس ستشكل لجنة للتعاون مع التوصيات التي جاءت في التقرير ، لكنه أكد في الوقت ذاته أن حماس لديها ما يفند الاتهامات التي وردت في تقرير جولدستون ، مؤكدا أن الفلسطينيين كانوا في حالة دفاع عن النفس.
 
وفي المقابل ، انتقد السفير الإسرائيلي في جنيف اهارون ليشنو يار ما وصفه عدم توازن التقرير وأنه لم يشر لما ارتكتبه حركة حماس ، قائلا :" تبني التقرير يمثل نكسة لجهود إحياء السلام ويشكل مكافأة للإرهاب".
 
وعلى الصعيد الدولي ، أيدت نافي بيلاي المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة التقرير ، قائلة إنه يضع نهاية لثقافة الإفلات من العقاب.
أضافة تعليق


capcha
كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها . :
العراب نيوز صحيفة الكترونية جامعة - أقرأ على مسؤوليتك : المقالات و الأراء المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العراب نيوز.