الشريط الاخباري
- المدير العام ( المفوض ) .. عماد شاهين
- يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
- رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
- نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577
السكك الحديدية .. مشروع الدولة لا ملف الوزارة
مالك العثامنة
حين تبدأ القطارات بالتحرك، لا تتحرك القضبان وحدها، بل تتحرك الجغرافيا ايضا، فخط السكة الحديدية الذي يجري الحديث عنه ليربط الرياض بدمشق مرورا بعمان، ليس مجرد مشروع نقل، بل شريان تنموي يختصر تحولات كبرى في المنطقة، هو طريق من حديد، لكنه يحمل معنى أوسع بكثير من الصلب الصامت، إنه مسار يرمز إلى عودة الروابط بين المشرق والخليج، وإلى ميلاد اقتصاد إقليمي جديد، إذا ما أحسن استثماره.
بالنسبة للأردن، هذا الخط ليس معبر جغرافي فحسب، بل فرصة تاريخية لإعادة تموضعه في قلب المعادلة الاقتصادية العربية، فوجود سكة حديدية عابرة للأراضي الأردنية يعني فتح بوابات جديدة للتجارة والاستثمار، وتحويل البلاد إلى عقدة نقل إقليمية بين الشمال والجنوب، وحين تتحرك البضائع والركاب عبر مسار منتظم ومستقر، تتحرك معها المدن، وتولد حولها مناطق صناعية ولوجستية، وتنتعش قطاعات لم تكن في الحسبان.
السكك الحديدية بطبيعتها تعيد توزيع التنمية، فهي تدفع بالتوسع المديني خارج المركز، وتخلق أذرع اقتصادية جديدة في الأطراف، ومع كل محطة تنشأ، هناك ورش ومصانع ومراكز تدريب، وفرص تشغيل لآلاف الأردنيين من المهندسين والفنيين والإداريين، الصناعات الرديفة وحدها من إنتاج الحديد إلى القاطرات ومستلزمات النقل يمكن أن تشكل قطاع واعد بذاته، إذا ما تم تبني رؤية وطنية واضحة لدمج التعليم المهني بالتخطيط الصناعي.
وفي هذا السياق، يصبح تعميق التعاون مع السعودية حجر الزاوية في المشروع كله، فالمملكة تمتلك الرؤية والقدرة التمويلية والخبرة في إدارة المشاريع العملاقة، والأردن يمتلك الموقع والعناصر البشرية المؤهلة، هنا تحديدا تبرز فرصة تفعيل الصندوق السعودي الأردني للاستثمار، بوصفه الأداة المثلى لتحويل الشراكة إلى مشاريع ملموسة على الأرض، تفتح الباب أمام القطاع الخاص في البلدين ليكون المحرك الحقيقي للنمو والتنمية.
فنجاح المشروع لا يتحقق بالمسار وحده، بل بالعقل الذي يخطط له، والرؤية التي تديره، والشراكة التي تضمن استدامته، وعندما يلتقي الحديد بالإرادة والتخطيط، يصبح الخط السككي الطويل طريق لمستقبل جديد، لا مجرد سكة عابرة.
القطارات في النهاية لا تحمل الركاب فقط، بل تنقل الأفكار ايضا، والخط الذي قد يعبر الأردن ليس مجرد ممر بين عاصمتين، بل اختبار لقدرتنا على التفكير الإقليمي بعقلية المستقبل لا بعقد الجغرافيا القديمة.
إذا أحسن الأردن التعامل مع هذا المشروع بوصفه مشروع دولة لا مجرد ملف وزارة، فسيكون أمامه فرصة نادرة لإعادة صياغة دوره في المنطقة، من دولة عبور إلى دولة محور، ومع شراكة سعودية عميقة تفعّل الصندوق السيادي المشترك، يمكن أن يتحول الحديد إلى اقتصاد، والسكك إلى جسور تمتد بين الناس لا بين الخرائط فقط.
القطار قد لا يمر كل يوم، لكن حين يمر، من الحكمة أن نكون جاهزين للصعود.
'الغد'
إقرأايضاً
الأكثر قراءة