• المدير العام ( المفوض ) .. عماد شاهين
  • يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
  • رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
  • نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577

زهران ممداني .. حالنا المضحك المبكي

صفحة للطباعة
تاريخ النشر : 2025-11-07
475
زهران ممداني .. حالنا المضحك المبكي

 سامح المحاريق

 

وخلال ساعات يصبح الفضاء الأزرق في الأردن، وجوارها، مع مراعات فروق التوقيت مليئًا بالتعليقات حول فوز الشاب زهران ممداني بموقع عمدة مدينة نيويورك التي تقع على مسافة 9,234 كيلومترًا من الطيران المستقيم.

معظم، أو حتى جميع من أعرفهم شخصيًا، لن يتأثروا بفوز ممداني بصورة مباشرة، أما على المستوى غير المباشر، فالعالم كله ربما يتأثر ولكن ذلك يعتمد على عوامل كثيرة، لا تبرر مطلقًا الاهتمام بممداني وصفاته من أنه مهاجر ومسلم، وما إلى ذلك، ولا تمنح أية شرعية لإدخاله في حالة الألتراس الأردنية ليحجز مكانًا ولو صغيرًا بجانب عبد الناصر وصدام حسين وأردوغان وحسن نصر الله وبشار الأسد، فالأردنيون بطبيعتهم متحمسون لهذه الظواهر.

المؤشر الأساسي لفوز ممداني لم يكن مرتبطًا بموقفه من القضية الفلسطينية أو حتى تهديده باعتقال بنيامين نتنياهو في حال وصوله إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنه تعبير عن تعمق الانقسام الأمريكي الذي يغذيه دونالد ترامب، فالرجل بسلوكه المتطرف والمستهين والمتغطرس يمنح الديمقراطيين فرصة ذهبية لإعادة إنتاج أنفسهم، أو يضعهم في مواجهة لا يمكن تجنبها.

استغرق الديمقراطيون كجزء من اليسار العالمي في قضايا الهويات، فأصبحت مصطلحات الجندر شائعة وتطرح وكأنها الهم الأساسي والرئيسي للعالم، وأصبح الحديث عن الأقليات شرطًا مسبقًا لتقييم أي موقف، ومع أن الأقليات من الأهمية بمكان، إلا أن السياسات اليسارية جعلتهم يعيشون حالة من الانفصال عن قضايا المجتمع بشكل عام، وكان بعضهم يستفيدون بصورة كبيرة من إجراءات التمييز الإيجابي affirmative action وممداني أحدهم بالمناسبة، وتعبير عن أقلية صاعدة في الولايات المتحدة الأمريكية وهي المهاجرون من شبه القارة الهندية، أي الهند وباكستان، وبدرجة أقل بنجلاديش، وهو مسلم شيعي ومتزوج من عربية سورية علوية، وكلاهما علماني في ممارساته وخطابه، ولكنه يتفهم مدى أهمية التمركز الهوياتي.

إذا كان ممداني يمثل تعبيرًا هوياتيًا في شخصيته والكاريزما المرتبطة به، فهو في المقابل يحمل خطابًا عماليًا واضحًا منحازًا للطبقات الفقيرة التي تعتاش من المهن البسيطة، مثل عمال التحميل والتنزيل والبقالات والمطاعم، وهو خطاب يمكن أنه تلقى هزائم كثيرة داخل الحزب الديمقراطي في السنوات الأخيرة ليصبح السيناتور بيرني ساندرز عجوزًا ما زال يتحدث عن عالم ربما تجاوزته الظروف والأحداث، ولكن طالما أن الوجوه الأخرى، ذات النزعة الهوياتية خسرت مرتين أمام ترامب، فلماذا لا نجرب ساندرز العجوز ونطرح خطابًا يعود للعمال والفقراء، طالما أن ترامب وفانس يضعان العمالة الصناعية القديمة في اعتباراتهم ويصوران تحركاتهم من أجل استعادتها للحلم الأمريكي.

يهود نيويورك المتدينون والعلمانيون، ومعظمهم غير مؤمن بإسرائيل رأى ممداني حلًا مناسبًا، أمام اليهود الصهيونيون المرتبطين بمؤسسات المال وول ستريت، فكان خيارهم أن يدعموه في مدينة يمكن أن تعتبر أورشليم جديدة بالنسبة ليهود العالم، أورشليم المليئة بأنبياء معاصرين وبقتلة أنبياء أكثر معاصرة، أما الأقلية العربية في نيويورك، أوهايو، شيكاغو، أورلاندو وهيوستن وغيرها فما زالت غير قادرة إلى اليوم على بناء مدرسة عربية محترمة واحدة، وما زالت منقادة لأئمة مساجد يتحصلون على آلاف الدولارات رفعًا للعتب، أحدهم يطاردني على اليوتيوب بإعلان لاستكمال التبرع بـ 750 ألف دولار لمسجد في نيويورك، في وقت نتابع فيه المذابح والمجاعات في غزة ودارفور، وينام عشرات الملايين من المسلمين وحتى الفقراء من هندوس وبوذيين في بيوت من الصفيح! .

المهم، ممداني ظاهرة أمريكية، ودليل على سلامة الخيارات الديمقراطية، وبرهان على حدودها أيضًا، فاليهود أنفسهم، ومن يرون أن دولة إسرائيل مخالفة لتعليمات التوراة، لن يتخذوا مواقفًا تهدد اليهود الذين اختاروا استباق الوعد الإلهي وحضور المسيح المخلص، والإعلام الإسرائيلي يدرك هذه النقطة، ويمسك الخطوط الكاملة لماريونيت الضحية والجلاد، ولا يتوقع في أحسن الأحوال إلا إعادة إسرائيل إلى مكانة الطفل المدلل والمستضعف لا المتوحش الذي يحرج ذويه ومحبيه، وهو طموح يعرفه ممداني وكل الحزب الديمقراطي، وببساطة فذلك لا يعني أن المسلمون قادمون، كما يتخيل البعض أو تحركهم أمنياتهم.

الخاسر كومو، وهو ممثل آخر لخيارات بعض يهود نيويورك يتلقى الفوز بتساؤلات كبيرة من أهمها كيف سيتمكن ممداني من الوفاء بوعوده الانتخابية، فهي تتعلق ببنية نظام كامل، وهي وعود كبيرة ليس النظام المالي والضريبي ممهدًا لاستيعابه، ورأس المال الحديث ليس مرتبطًا بالأرض إلا إذا كانت تحتوي على ثروات معدنية أو تحتل موقعًا جغرافيًا متميزًا لحركة التجارة، وبالتالي، يمكن أن تحدث إجراءاته حركة هجرة واسعة، والبدائل موجودة، وبعضها في المنطقة العربية، فالعالم يعيش اليوم انفتاحًا على فكرة ما بعد الدولة، فما الذي سيفعله الفتى الهندي الوسيم والمتحمس مع وضع معقد إلى هذه الدرجة.

السؤال هل نحن أمام تحول عميق في الحزب الديمقراطي يعود للخطاب العمالي ويغادر جزئيًا الأرق الهوياتي، أم أمام لحظة تصويت انتقامي تتوجه لترامب وخفته ووقاحته، ويمكن أن تستعاد إلى موقعها الطبيعي بعد انتهاء ولايته وقدوم رجل مثل جي. دي. فانس.

الاحتمالين ليسا في مصلحة اليمين الإسرائيلي، ولكنها بالقطع ليسا ضد إسرائيل بأي صورة كانت، ولذلك، فلا شيء يستحق عمليًا أن نحتفي بممداني وأن نبحث عن مكان جديدة لصورة مستوردة من أجل تعويض فرضياتنا عن المخرج من حالة التأزم الراهنة، صورة الشعوب التي تنتظر والتي تؤمن بفرضيات خطيرة، منها عدو عدوي صديقي! بينما تبقى بين العدو وعدوه وكأنها عالة على الوجود في العالم، مجرد متاع يبحث عن شخص ليحمله.

أعتقد أن قصة ممداني ملهمة للغاية، ولكن للأمريكيين وليس لغيرهم، أما نحن فعلينا أن نصنع الإلهام من ملايين الأطفال والمراهقين داخل مدارسنا وملاعبنا، وحدائقنا (إذا حصلنا على بعضها).

عمون

أضافة تعليق


capcha
كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها . :
العراب نيوز صحيفة الكترونية جامعة - أقرأ على مسؤوليتك : المقالات و الأراء المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العراب نيوز.