• المدير العام ( المفوض ) .. عماد شاهين
  • يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
  • رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
  • نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577

الدراما في الأردن .. حين ننسى أن الصناعة أكبر من أي مؤسسة

صفحة للطباعة
تاريخ النشر : 2025-11-26
447
الدراما في الأردن .. حين ننسى أن الصناعة أكبر من أي مؤسسة

 

مالك العثامنة

 

من العدل القول إن التلفزيون الأردني، بكل ما يحمله من تاريخ وذاكرة ومكانة، كان يوما البيت الأول للدراما الأردنية، وفي زمنه الذهبي نشأت أعمال صنعت وجدان الناس، وأطلقت نجوما، وقدّمت صورة البلد بشفافية وعراقة، تناسب ذلك الزمن وظروفه.

لكن السؤال اليوم ليس عن المؤسسة نفسها، بل عن البيئة التي تعمل فيها، وعن قدرة الدولة على إعادة الاعتبار للدور الذي كان لها، في زمن تغيّرت فيه شروط الصناعة وتحوّلت الدراما إلى اقتصاد كامل لا مجرد محتوى ترفيهي.

في السنوات الماضية، لم يعد التلفزيون لاعباً وحيداً، لكنه بقي محكوماً بهياكل إدارية وضوابط تنظيمية تجعل الحركة بطيئة في زمن يحتاج سرعة ومرونة، وهذا ليس تقصيراً منه وحده، بل انعكاس لمنظومة أوسع: معايير الإنتاج، آليات التمويل، طبيعة القرارات، وحجم الاستثمار الثقافي، وهذه كلها عناصر تتوزع بين جهات عديدة في الدولة، وكل جهة تمسك بجزء من الملف دون أن يوجد إطار جامع يضمن رؤية واحدة.

والنتيجة أننا نملك طاقات مكتملة من ممثلين بارزين، وكتّابا قادرين، ومخرجين محترفين، وفنيين يثبتون أنفسهم في كل مكان يعملون فيه خارج الأردن، لكن هذه الطاقات تواجه تحدياً أكبر من القدرة الفنية نفسها، فغياب المسار الإنتاجي الواضح، ولم ندرك بعد أن الدراما اليوم ليست موسماً يتعلق بروزنامة سنوية، بل الدراما صناعة تبدأ من النص، ثم التطوير، ثم الإنتاج، ثم البيع، ثم التوزيع والمنصّات… وهي سلسلة اقتصادية كاملة تحرك قطاعات موازية من الفنادق والخدمات والنقل والمعدات والشركات الصغيرة والمتوسطة.

وعندما تغيب الرؤية الاقتصادية عن الدراما، تصبح كل خطوة عرضة للتعطيل، ويصبح المشروع الفني مجرد 'إضبارة' تتجول بين جهات مختلفة، كل جهة ترى الملف من زاويتها، لا كاستثمار وطني، بل كإجراء إداري يحتاج استكمالاً أو مراجعة أو دراسة إضافية، غير الاجتهادات ممن يهرفون بما لا يعرفون، وهنا يضيع الوقت، وتتراجع المشاريع، ويغادر المبدعون إلى أماكن تعمل بمنطق الصناعة لا بمنطق الورق.

إن الدول التي نجحت في تحويل الدراما إلى قوة ناعمة لم تفعل ذلك عبر مؤسسة واحدة، بل عبر قرار وطني بأن الدراما اقتصاد؛ فتركيا فعلتها، وكوريا صنعت موجتها الثقافية عبر مقاربة اقتصادية وليست فنية فقط، ومصر لعقود بنت نفوذها الناعم من خلال صناعة تُدار كقطاع اقتصادي لا كترفيه، والسعودية جعلتها مؤسسة عليا وطنية.

الأردن قادر على ذلك وأكثر، فلديه مواقع تصوير لا تشبه غيرها، وتاريخ غني، ومجتمع متنوع، واستقرار يجعل البلد وجهة طبيعية للإنتاج العربي والعالمي، لكن كل ذلك يحتاج خطوة واضحة: أن تتبنى الدولة بكل مؤسساتها فكرة أن الدراما قطاع اقتصادي استراتيجي، وليس مسؤولية التلفزيون وحده، ولا ملفاً ثقافياً ثانوياً.

إذا كانت الحكومة تعلن أن الاقتصاد هو مركز أولوياتها، فإن الدراما يجب أن تُصنّف كقطاع اقتصادي حقيقي، لقدرتها على خلق وظائف إبداعية، وكذلك تحريك قطاعات موازية، وتصدير صورة الأردن بأثر يفوق أي حملة ترويجية تستنزف المال وأثرها لا يتعدى عرض الباور بوينت الأول.

المطلوب اليوم ليس فقط تطوير النصوص والإنتاج، بل تطوير طريقة تفكير الدولة بالدراما، لتعود هذه الصناعة إلى زمنها الذهبي، وليس أرشفة نتباكى على مجدها، بل صناعة تُبنى على رؤية، وتُدار بمنطق الاستثمار، ويشارك فيها الجميع.

وحين نصل إلى هذه القناعة، لن تعود الدراما “معاملة بين مكاتب”، بل صناعة وطنية تستحق أن تنهض مرة أخرى كما كانت، وأقوى مما كانت.

'الغد'
أضافة تعليق


capcha
كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها . :
العراب نيوز صحيفة الكترونية جامعة - أقرأ على مسؤوليتك : المقالات و الأراء المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العراب نيوز.