• المدير العام ( المفوض ) .. عماد شاهين
  • يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
  • رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
  • نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577

هل يتم حل البرلمان الأردني؟

صفحة للطباعة
تاريخ النشر : 2025-11-28
452
هل يتم حل البرلمان الأردني؟

 

مالك العثامنة

 يصبح لافتا أن تكتب شخصية مطلعة، وذات صلة بالمرجعيات في الدولة، مثل الدكتور عامر بني عامر مقالا مثيرا، يتناول سيناريو حل البرلمان كفكرة تدور في عقل الدولة، فالرجل ليس مراقبا عاديا، بل أحد الشخصيات المحورية في المشهد السياسي الأردني، وعضوا في اللجنة الملكية للتحديث السياسي، ومدير أحد أهم مراكز الاستطلاع في البلاد، وعندما يتحدث صوت بهذا الوزن عن ملف بالغ الحساسية، فهو يفتح بابا لتحليل أعمق من مجرد قراءة صحفية عابرة، لأن الكلام هنا يأتي من قلب النقاش الوطني لا من هامشه.

وما طرحه الدكتور عامر حول مشروعية مناقشة سيناريو الحل ليس مجرد رأي منفرد، بل هو رأي وجيه يتبناه تيار واسع في الأردن، ومنهم كاتب هذه السطور، إذ إن التفكير خارج الصندوق مسموح ومطلوب أحيانا، لكسر الجمود وفهم اتجاهات المزاج العام، لكن المشكلة لا تأتي من الطرح نفسه، بل من أولئك الذين يلتقطون أي فكرة طازجة، ليبنوا عليها معلومات مضللة، ويستغلوا لحظة حساسة لزرع الشك في المشهد العام، لا بهدف إصلاح أو مساءلة، بل بهدف صناعة ضباب وتشويش، يخلطان بين النقاش الجاد وبين إثارة الريبة.

وسط ذلك تبرز معطيات سياسية واقتصادية حقيقية تشغل الدولة اليوم، فهناك مشروع واحد يكاد يكون الأكبر في تفكير الحكومة الحالية بقيادة جعفر حسان، وهو مشروع المدينة الجديدة في منطقة عمرة أو الماضونة، العمل على هذا المشروع يجري بهدوء شديد ودراسات معمقة، ليولد بين اثنتين من أكثر المدن الأردنية اكتظاظا، عمّان والزرقاء، الهدف ليس إنجازا استعراضيا، ولا عرض عضلات استثماري بلا معنى، بل هو مشروع طويل الأمد، يؤسس لمدينة ذكية تسند الطبقة الوسطى وتعيد تنشيطها، وتكسر الضغط الخانق على العاصمة وعلى الزرقاء التي أنهكتها كثافتها وعشوائية تنظيمها.

هذا المشروع ليس وليد اللحظة، فقد بدأ التفكير فيه منذ حكومة الدكتور هاني الملقي، ثم جمدته حكومة الدكتور عمر الرزاز، قبل أن تعيد الحكومة الحالية، فتح ملفه بمنهجية مختلفة تضع القطاع الخاص شريكا تكامليا في كل مراحله، وتم وضع خطة بدء التنفيذ لاستراتيجية جاذبة للاستثمار، تتعامل مع المدينة الجديدة باعتبارها مركزا عمرانيا نابضا بالحياة، قادرا على تقديم نموذج جديد للتطوير العمراني، الذي يوازن بين النمو الاقتصادي واحتياجات الطبقة الوسطى، وإذا سارت الأمور وفق المسار المعد لها، فالمشروع سيكون على رأس خمسة مشاريع كبرى، ستبدأ أعمالها الفعلية مطلع عام 2026، وهي خطوة كفيلة بإعادة توزيع الثقل الاقتصادي والسكاني في البلاد بطريقة أكثر حكمة، وسيتم الإعلان عن المشروع بوضوح مطلع الأسبوع عبر الصحافة وبحضور الحكومة ممثلة برئيسها.

هذه المقاربة تجعل طرح حل البرلمان سؤالا أكبر من توقيته، لأن الدولة منهمكة في بنية مشاريع تحتاج إلى تشريعات متماسكة وإطار سياسي مستقر، ويشير مصدر رفيع المستوى إلى أن خيار الحل غير مطروح في منهجية التفكير داخل الدوار الرابع، ليس رغبة في الإبقاء على شكل معين، بل لأن فراغا تشريعيا اليوم قد يعطل مشاريع مصيرية، ترتبط مباشرة بالتحديث الاقتصادي والتخطيط العمراني والبنية المؤسسية، التي تريدها الدولة للمرحلة المقبلة.

ويضيف المصدر ذاته أن البلاد مقبلة على انتخابات الإدارة المحلية، وهي استحقاق لا يستقيم منطقيا أو عمليا أن يتزامن مع حل البرلمان، لأن ازدواج المسارين يربك البوصلة السياسية، ويخلق مسافة غير ضرورية بين الإدارة المحلية والمستوى التشريعي، في لحظة تسعى فيها الدولة إلى ربط حلقات التحديث المؤسسي لا تفكيكها أو وضعها في مسارات متوازية.

وفي ما يتعلق بملف حزب 'جبهة العمل الإسلامي'، يوضح المصدر ذاته أن المسألة لا تدخل في حسابات حل البرلمان، لأن الدستور والقانون يوفران آليات بديلة وواضحة في حال ثبوت أي خرق أو تورط، من خلال عمليات إحلال دستورية تحفظ المشهد السياسي، وتبعد أي طرف مخالف من دون الحاجة إلى هز بنية النظام التشريعي كله، وهو ما يعكس رغبة في حماية الاستقرار، وتفادي استخدام الهدم الشامل لمعالجة مشكلة جزئية.

وعند هذا المستوى من التحليل يصبح ضروريا، وضع الأمور في إطار أكثر دقة، فالحل 'بالحل' إن كان خيارا على الطاولة، فلن يكون قرارا مفاجئا، بل خطوة محسوبة، ولن تحدث إلا إذا أصبح المشهد الحزبي جاهزا، والظرف الإقليمي يسمح، والحكومة تكون قد أنهت مرحلة حرجة من التحديث الاقتصادي، وهي معادلة لا تتوافر الآن بصورة تتيح الانتقال إلى لحظة انتخابات عامة، دون مخاطر سياسية أو تشريعية أو اقتصادية.

هذه القراءة تجعل طرح حل البرلمان سؤالا أعمق من مجرد بحث عن توقيت مناسب، لأن الحكومة تعمل في سياق اقتصادي يحتاج إلى وقت هادئ ومسار واضح، بينما الإقليم من حولنا لا يزال مضطربا على جبهات متعددة، من جنوب سوريا إلى غزة، إضافة إلى يقظة حدود تحتاج معها الدولة إلى تثبيت الداخل قبل التفكير في تغييرات سياسية واسعة، وهذه كلها عناصر تجعل خيار الحل أقل واقعية من أي وقت مضى.

الأقرب للقراءة أن البرلمان سيبقى قائما إلى أن تتضح صورة المشهد الحزبي بشكل أفضل، أو إلى أن يصبح الانتقال إلى انتخابات جديدة، خطوة مضافة لا خطوة مربكة، فالتسرع هنا يصنع مشهدا هشا، بينما الانتظار المحسوب، قد يسمح بولادة مشهد حزبي وتشريعي أكثر تماسكا، وهذا هو الهدف الحقيقي الذي تعمل عليه الدولة في إطار التحديث السياسي.

وفي المحصلة، لن يُحسم موقع البرلمان بما يُقال على هامش المشهد، بل بما تقتضيه حسابات الدولة نفسها، تلك التي توازن بين ضرورات الاستقرار ومواعيد التغيير، ومع تقدم المشاريع الاقتصادية الكبرى كأولوية واضحة، يبقى القرار السياسي مرهونا بلحظة تفرضها المصلحة الوطنية لا ضغط النقاش العام، وما ستكشفه الأسابيع المقبلة سيكون جزءا من معادلة أكبر تعيد فيها الدولة ترتيب شكل المرحلة المقبلة وحدودها.

'المجلة'

أضافة تعليق


capcha
كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها . :
العراب نيوز صحيفة الكترونية جامعة - أقرأ على مسؤوليتك : المقالات و الأراء المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العراب نيوز.