• يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
  • رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
  • نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577

الباشا..!

صفحة للطباعة
تاريخ النشر : 2014-06-03
5464
الباشا..!

  (من وحي مقالة العزيز خالد المجالي "الشعب أَولى بالملايين" التي تُصرف على خدم وحرم الباشوات اصحاب الدولة،المعالي،العطوفة.مقالتنا من نسج الخيال،آثرنا موت الباشا حتى لا يكون لاحدٍ علينا حُجةُ في القضاء)

*** الباشا ! رجل مستقيم ومتزن، مهاب ومرهوب موضع ثقة الناس وخوفهم.هذا الطلاء الخارجي لشخصيته،بينما المظاهر الخارجية كذاّبّةٌ،خداعةْ على الدوام،حيث برع في حياكة الكذب،وتفصيل التهم على مقاس خصومه من دون روادع اخلاقية او دينية او انسانية .أُصيب الباشا فجأةً بعارض صحي اقعده البيت،و الزمه الفراش. تعاقب عليه الاطباء للكشف عن العلة،فاختلفوا في التشخيص.قال اولهم : انه يعاني من باصور متقيح، لذلك فهو بحاجة الى عملية عاجلة لاجتثاث الضيف الثقيل، فيما قال الثاني: الارجح انه ناسور مستتر،لذا يجب ان يخضع لعملية تنظير فورية.فالتنظير مسألة غاية في البساطة بالنسبة له حيث ان الطريق عنده سالكة، خاصة انه من انصار المدرسة الرواقية اليونانية التي تؤمن بمبدأ اللذة،خصوصاً بعد تقدم المناظير من كافة الاشكال و الا حجام.

*** الطبيب العجوز الذي حضر مؤخراً، وصف سابقيه الاطباء، بانهم مجرد حمير يحملون سماعات طبية. فالزائدة اللحمية التي تتدلى من الباشا، ما هي الا ورم خبيث.وبرغم اختلاف التشخيص، الا ان الالم هو الثابت الوحيد الذي يقض مضجعه، ويفسد ايامه، ويؤرق لياليه . ذات زيارة، حاول النهوض لاستقبال احد الباشاوات المتقاعدين مع ستة آخرين ممن احيلوا حديثاً على التقاعد كما تجري العادة سنوياً، لكن قواه خارت، ولم يسعفه جسده المتهالك، فطلب اليه كبيرهم ان يظل مبطوحا.عاد وتمدد مثل دودة شريطية.لم يتوقف الضيف العبقري عن الحديث في الفلك والهندسة والسياسة وعلم النفس واختتمها بالطب الحديث والبديل،فاخبره ان الكيماوي لا ينفعه.لذلك نصحه بالاعشاب وكثرة الاستغفار.فالباشوات يعرفون لغة بعض حتى بالصمت او بالاشارة فلكل يمتح من ذات البئر ويشرب بذات الطاسة.

** ادرك الباشا بعد هذه الزيارة ، ان نهايته ازفت، رغم تطمينات الاطباء، ومواساة الزوجة، ونفاق الزوار الذين يؤكدون انه ما زال عريساً لا ينقصه سوى فتاة طاغية الجمال حتى «تفكفك عظامه»، وتطلق طاقات شبابه من عقالها، ليعود «الباشا الى صباه» ويعيد سيرته الاولى. لكن هاجس الخوف ظل يطغى عليه، و الاحساس بالخطر يلازمه،فاوراق روزنامة عمره الاخيرة تتساقط بسرعة لافتة،والدلائل تشير الى ان عزرائيل قد حجز له تذكرة one way . والجناح الفاخر في المدينة الطبية صار يراه قبراً ،وباقات الورود التي تحمل اسماء مهمة وعبارات التمني بالشفاء ،تحولت الى كلمات تأبين، فيما السرير بات تابوتاً لا يستطيع مغادرته.

*** بعد فترة ،اصبح الباشا جثة تتنفس.عيون زائغة تدور في محجريها. فالنملة تستشعر المطر،وتختبئ في بيتها، والسمكة تحس بغريزتها بالاعاصير و صخب البحر فتلوذ بالاعماق طلبا للامان.. اما هو فاين المفر؟!. و اين يلوذ؟!. جسد محطم، وليس هناك من جحر يأويه،او ملاذ يحميه، بينما الموت يقف له خلف الباب !!. استعرض حياته بسرعة: طفولته، مراهقته، شبابه، زواج اخته الكبرى، وكيف بكى عند فراقها عندما رحلت مع زوجها الى بلد بعيد،فقد كانت هي الام التي ترعى شؤونه بعد وفاة والدته المبكرة. مرت ايامه امام عينيه بإيجاز كشريط اخبار متحرك على احدى الفضائيات،ثم جحظت عيناه عندما تخيل جنازته الرسمية وجموع المشيعين،تتحلق حول قبره، وكل واحد بانتظار انتهاء مراسم الدفن،وواهالة التراب عليه ،ليعود الى بيته على عجل.

*** رعدة قوية عصفت به، هزت كيانه. تمنى لحظتئذ لو انه لم يُخلق. هاجمته هلوسات سمعية كادت ان تخرق اذنه، تناهى الى مسامعه صوت الشيخ رمضان امام المسجد يقرأ فوق راسه : اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة ولا تجعله حفرة من حفر النار. فجأة طفا من قاع ذاكرته سجل حياته، ممارسته الوظيفية، علاقاته المعطوبة، إساءاته للناس، تآمره على زملائه، ظلمه للكثير،وافتراءه على خلق الله لاثبات كفاءته الوظيفية.. اقتنع ساعتها ان حياته كذبة كبيرة، وان لقب الباشاوية الذي استمات في الحصول عليه لا يساوي خردلة.فقد ازفت ساعة المحاكمة العادلة،وجاء وقت الحساب الالهي.فاليوم اعضاؤه ستشهد عليه،و طوابير المظلومين سيقفون في مواجهته.

*** هو الان في حوار داخلي داخل قفص الاتهام الذي صنعه لنفسه بيديه،ودخله بقدميه . تذكر احدى غزواته التي يرددها بعد الكاس العاشر مفتخراً امام ندمائه. شابة يافعة صغيرة، خريجة جامعة، في عينيها لمعة من الذكاء، ومظهرها يدل على فقر عفيف،لكنها تمتلك لمسات اناقة جذابة رغم بساطتها.وعندما سألته المساعدة تفجرت عاطفتها الجياشة متوسلة اليه باكية وظيفةً لانتشال اهلها من بؤس الفاقة .ورغم الحزن الطافح والدموع التي تطوف في عينيها،بدت صارخة الجمال، كزهرة تستحم بندى الصباح . وما ان رآها حتى تدلى لسانه، وتسارعت نبضات قلبه، وارتفع لهاثه، واخذ يلعق لعابه من اطراف فمه.

*** راودها على نفسها بكل ما أُوتي من خبث ودهاء. تمنعت وبكت بحرقة وغادرت مكتبه كسيرة الخاطر.إستدل على عنوانها وراح يلاحقها ويناورها.و اخيراً استطاع اغواءها تحت تأثير العوز، وسيل الهدايا. حاول الهرب من هذه الذكرى المحفورة في اعماقه، لكنه لم يفلح من لسعات الضمير، فاغمض عينيه، وراح يحدق في الفراغ.

** وبينما هو غارق في التحديق باللاشيْ، شعر بكابوس يصهر صدره، وهواء اسود يملأ رئتيه.حينها ادرك انه وصل خط النهاية، و صافرة الخاتمة تدوي في اذنه. جاهد بكل قوة ليصرخ لعله يبدد الصمت المرعب الذي يلفه، ويمزق ستار الظلام المخيم عليه،لكي يسمعه احدُ و يهب لنجدته، لكن من دون جدوى. وعندما عجز حاول رفع سبابته - للنطق بالشهادة - التي طالما هزها في وجوه الناس متوعدا. لكنها خذلته،فيما انفاسه تهبط شيئا فشيئا حتى انقطعت.

** اعتاد ابنه الاصغر كل صباح، الاطمئنان عليه، وطبع قبلة صباحية على جبينه قبل الخروج من المنزل. رفع الملاءة و انحنى كالعادة على جسد والده،فاحس ببرودة الموت تسري في الجسد الساكن، وبقايا دموع ندم متحجرة في عينيه الشاخصتين.اغلقهما بحنان وهو يرتل:« وجاءت سكرةُ الموتِ بالحقِ ذلك ما كنتَ عنه تحيد ».

** في اليوم التالي اقيم له سرادق عزاء ضخم، تقاطر عليه المعزون من اكابر القوم، جُلهم من المنافقين لرفع العتب، وتأدية الواجب. كان الجميع يتحدثون عن كل شيء، الفساد، التلوث، اخر الفضائح الاجتماعية،لدرجة ان بعضهم كانوا يتبادلون آخر النكات البذيئة همسا، ويتضاحكون سرا، بينما ـ الباشاـ المرحوم لم يحظ باي ذكر باستثناء كلمات العزاء المعلبة التي تُصرف عادةً - بالجملة - في بيوت العزاء: " البقية في حياتكم "."عظم الله اجركم". خاتمة الآحزان .. ولم يقطع ضجيج المعزين الا صوت الشيخ رمضان الجهوري مناشداً الحضور الدعاء للباشا بالثبات، وان يحل الله عقدة لسانه لانه يُسأل الان ويحاسب في قبره. اعقبه صوت شاب ترتسم على هيئته علامات الفقر والجسارة،بصوت عالٍ متوجهاً برسالة لاكابر القوم الذين يجلسون في صدر المجلس،ويبدو انه تعرض لمظلمةٍ قاتلة فإبتدأ بقوله تعالى: " فتلك بيوتهم خاويةُ بما ظلموا ان في ذلك لآية لقوم يعلمون".فالباشا ـ رحمه الله ـ رعى رعياً جائراً في زرع الدولة، وشفط ماءها.لذلك سيحبس في قبره كما اخبرنا الرسول عليه السلام حتى يعيد الورثة الاموال لاصحابها،ويردوا المظالم لاهلها،و اشهدكم ساكون اول الشهود عليه امام الله.

*** على المقلب الآخر. وفي حي شعبي فقير من احياء المدينة الكبيرة،وعلى مسافة بعيدة من موقع سرادق العزاء في احد الشوارع الخلفية. كانت فتاة مطعونة الكرامة، ممزقة المشاعر، مثلومة الشرف، تتصفح في غرفة صغيرة تعازي النفاق التي تملأ الصحف اليومية ،واصفة الراحل بالرجل التقي النقي الذي قضى عمره في اعمال الخير وخدمة الناس..!

أضافة تعليق


capcha
كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها . :

رائد شديفات16-06-2014

كلام صحيح
رد على التعليق
capcha
: كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها .

مصطفى العوامله07-06-2014

عقدة لسانه لن تحل فقد عقدها بدهائه وخبرته وخبثه الساكن في كل خلايا مخه المريض ، قبل مرض موته ، وهي الضريبة العادلة التي فرضت على مدى سفالته ودناءته ، إنها القنبلة التي تتفجر كل يوم على من هم على شاكلته ، ولكن صمم المكابرة أعمت عيونهم وصمت أذانهم، فتفاجئوا بتقطع أشلائهم في اللحظة الحرجة بعد أن تقطعت سبل الحياة في أوصالهم، إنه نموذج متكرر في كل خلايا الوطن إرتفع منسوبه مع ارتفاع منسوب الفقر والبطالة والجهل والجوع وليس بالضرورة أن يكون الباشا هو اللواء فباشا العشيرة وباشا النياببة وباشا التجارة وباشا السياسة وباشا الوظيفة ليست سوى نماذج مختلفة تتقوقع في حاوية واحدة فما أكثر باشاوات النفاق التي نفوح روائح العفن والنتانة في خلاياهم في بلدي
رد على التعليق
capcha
: كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها .

عربي اصيل04-06-2014

القاب الباشا البيك الافندي كلمات تركية انقرضت في بلادها و جرى شطبها وتعريبها في مصر العربية والعراق وسوريا ولم يبقى الا لقب بيك عند امراء الطوائف في لبنان مثل وليد بيك جنبلاط، وطلال بيك ارسلان،وسعب بيك الحريري الواجب شطبها ومن ثم تعريبها اسوة بباقي الدول العربية وهذه الالقاب من مخلفات الهيمنة التركية على الوطن العربي
رد على التعليق
capcha
: كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها .

الى الكاتب04-06-2014

الكثير من الباشاوات هم اشخاص وصلوا الى رتبة لواء بتعب وبشقاء وخدموا البلد مثل كثير من الأردنيين الأصلاء وهم اناس نظيفين بكل ما تعني هذة الكلمة من معنى الجميع سوف يموت الباشا والزبال والوزراء وغيرهم لأن هذة سنة الله في خلقة لا يعني ان كل من حصل على لقب باشا انه انسان فاسد او ظالم
رد على التعليق
capcha
: كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها .

نذير الصباغ03-06-2014

حماك الله من كل سوء يا الياسين والله انك ترفع الراس
رد على التعليق
capcha
: كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها .

محمود الخلايلة03-06-2014

اطلع عشر درجات ...اقول لك اطلع على كتافي على هل المقال
رد على التعليق
capcha
: كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها .

براندو03-06-2014

لله درك ما اروع الوصف ولكن افلا يعقلون
رد على التعليق
capcha
: كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها .
العراب نيوز صحيفة الكترونية جامعة - أقرأ على مسؤوليتك : المقالات و الأراء المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العراب نيوز.