الشريط الاخباري
- المدير العام ( المفوض ) .. عماد شاهين
- يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
- رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
- نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577
في قيام وتراجع الإعلام الأردني
سامح محاريق
**في قيام وتراجع الإعلام الأردني**
لا أعلم إن كانت رحلة تجاوزت 22 سنة من الكتابة الصحفية المنتظمة في صحف أردنية وعربية، والتحرير في ملحق للصحيفة الأولى في الأردن، وإطلاق العديد من المواقع الإلكترونية، والدراسات المبكرة في مجال الإعلام الإلكتروني، فضلًا عن تلقي تدريب متميز في التلفزيون والأخبار، كلها أمور تشفع لي لأن أتحدث في الإعلام، خاصة وأن نقابة الصحافيين يمكن ألا تمنحني الشرعية لأن أدلي برأي فيما يتعلق بالإعلام، ومع ذلك، فربما علي أن أتحدث لمرة ليست الأولى ولا الأخيرة، ولكنها في توقيت حساس وحرج.
في البدء كان الإرشاد، نعم كانت هذه تسمية وزارة الإعلام بعد ثورة/ انقلاب يوليو 1952 في مصر، وكانت تضم إلى جانب الإعلام المهام التي تناط اليوم بوزارة الثقافة، وتولى عضو مجلس الثورة العصبي المزاج صلاح سالم مسؤولية الوزارة لدى تشكيلها، ومن مجرد التسمية (الإرشاد) نلحظ الوصائية والرغبة في تحقيق الهيمنة الكاملة على المجال العام، فالمصريون الذين تحرروا للتو، وعليهم أن يرفعوا رؤوسهم وينفضوا عن أكتافهم غبار العبودية وفقًا لفهم الثورة/ الانقلاب ليس لهم أن يقرروا شيئًا من أمرهم إلا بعد أن يتيقن الثوار/ الانقلابيون أنهم يرتقون لفهم الثورة ومبادئها.
بقيت مهمة الإرشاد قائمة وتدخل في فكر القائمين على منصات الإعلام الصحافة تحديدًا ومعها النشر، والإذاعات وبعدها التلفزيون، وكانت تسعى لأن تحقق تواجدًا مصريًا وعربيًا، وفي هذه اللحظة كان الأردن يشهد ولادة النسخة الخاصة به من الإرشاد من موقع رد الفعل على صوت العرب وبقية الأدوات التي وظفت لتصنيف الدول العربية إلى رجعية وتقدمية، والقفز لبناء خطاب موجه لما وراء الحدود المصرية، ولذلك كان الجيل الأول ممن أسسوا ما نعرفه اليوم بالإعلام الأردني، كمفهوم سياسي متكامل، وليس مجرد تواجد لصحف ومجلات أهلية أو شبه رسمية، من رجال السياسة الذين تشاغلوا أيضًا بتحديد النكهة والهوية للإعلام الأردني، ووصفي التل الذي يعتبر أكثر رؤساء الوزراء حضورًا في تاريخ الأردن كان إعلاميًا بالمعنى المتعارف عليه فنيًا، حتى لو لم تقره المقاييس المطبقة حاليًا، إعلاميًا رؤيويًا لأنه كان يرى الإعلام أداة بناء وتشكيل وعي وتجسيد هوية ودفاع عن وطن ومشروع.
كان الإعلام في تلك المرحلة ينتقل من مرحلة الوصاية إلى تشكيل بنية رمزية تتراوح بين الهيمنة والتوثق من النسيج المجتمعي، والأردن لم يكن وحيدًا، فالدولة القطرية دائمًا ما وظفت الإعلام لتستكمل وجودها وشرعيتها، ولكن لسبب أو لآخر، ارتأى البعض أن المهمة أنجزت وكفى الله المؤمنين شر القتال، لننتقل إلى الاتصال الحكومي، وكم يضع هذا المصطلح الحكومة بوصفها الأداة التنفيذية للدولة وكأنها على الجانب الآخر من المجتمع، منفصلة عنه، في علاقة شبيهة بالعلاقة بين الفرد وشركة الكهرباء، أقل حتى من علاقته بالأرصاد الجوية!
كثير من الدول العربية ما زالت تحتفظ بتسمية الإعلام، لأن الدولة إذا كان لها ثمة دور في حياة المواطنين بالمعنى الذي نعرفه ويتناسب مع ظروفنا كدولة في مرحلة تنمية مستمرة فيجب أن يكون مرتبطًا بالإعلام بوصفه الأداة الرئيسية في التواصل، وكم يختلف التواصل عن الاتصال، والتواصل على ذلك ليس كافيًا وحده.
بعض الدول ما زالت تجمع الإعلام مع الثقافة، لأن هذا هو دور الدولة تجاه المجتمع، والحديث يمكن أن يتأتى حول مدى الانتقال من الهيمنة إلى التوعية، أو تهيئة الحدود الدنيا التوافقية مجتمعيًا لإدارة المجال العام ضمن مبادئ الدولة وقيمها، وهذا ليس عيبًا أو خطيئة، هذه مسألة وجودية في المرتبة الأولى.
ننتقل أحيانًا إلى مرحلة من غير أن نهضم ما سبقها، ومن غير أن نكون واثقين ما إذا كنا نريد ذلك فعلًا، علمًا بأن إلغاء وزارة الإعلام في مطلع الألفية الجديدة أتى مرتبطًا بتأسيس مجلس أعلى للإعلام وأنا مع هذه الفكرة، ولكن المجلس يختفي ولا تعود وزارة الإعلام.
في ظل هذه الحالة وصلنا اليوم إلى تغول التواصل الاجتماعي من خلال الانترنت على رسالة الدولة، وضاعت البوصلة الإعلامية لدرجة أننا لا نستطيع أن نحدد هوية بعض المؤسسات الإعلامية، فهل هي حاضنة للأسرة الأردنية وتقوم بأدوار تتعلق بالمواطنة والمشاركة وإدارة الأمل في المجتمع (بعد أن استوطن اليأس والتشاؤم والعدمية)، أم أنها ترفيهية لا تمتلك أدنى مقومات منافسة منصات الترفيه المتخصصة العربية والعالمية.
مع احترامي لجميع زملائي من الإعلاميين الأردنيين، وكثيرون تعلمت منهم، وتلقيت ملاحظاتهم التي جعلتني الشخص الذي أنا عليه اليوم، ولكن للأسف نحن لا نتحدث عن الإعلام بوصفه فلسفة كاملة وأحد أدوات الدولة (ولذلك بطبيعة الحال تضاربت التفسيرات والتأويلات حول جملة قالها رئيس مجلس النواب)، ونكتفي بأن نكون ناقلي أخبار أو آراء، ونسعد ونغتبط بما يحققه كل منا من شعبية وما يتلقاه من مديح وثناء، مع أننا في مواجهة مسؤولية جمعية تختطف من بعض (الصنايعية) الذين لا يرتقون إلى المهنية فضلًا عن امتلاك الرؤية والدور العضوي تجاه الدولة والمجتمع.
كان أحد أصدقائي وزيرًا للاتصال الحكومي، وفي لقائنا الأول بعد توليه المسؤولية، أخبرته أنني أود أن أرى منه وزيرًا للإعلام، ولكن الفكرة التفكيكية التي تعتبر الإعلام مثل دائرة الأراضي والمساحة لم تنضج هذه التجربة، وأصبحت البيروقراطية المستجدة ومبادئها تتغول على فكرة التغيير والتقدم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
الأكثر قراءة